No Script

القبول الشعبي لرفع أسعار الخدمات ممكن... إذا ضاهت جودتها ما يقدمه القطاع الخاص

«اقعد مكانك»... أضاعت إيرادات مليونية على الدولة!

تصغير
تكبير
  •   المطيري:
  • الكثير من الموظفين الحكوميين لا يعيرون  بالاً للمراجعين...  رواتبهم لن تتأثر 
  • حاجز نفسي تشكّل لدى الكثير من الكويتيين والمقيمين من التعامل  مع الموظف الحكومي   
  • الربيعان: 
  • الحكومة مطالبة بخطة واضحة تمكّن خدماتها  من التفوق على نظيرتها  في «الخاص» 
  • المشكلة لدى المستهلك ليست في تكلفة الخدمة  بل بالأداء الحكومي  في تقديمها 

يطرح تصريح مسؤولين في وزارة المالية حول وصول الدراسة الفنية لرفع أسعار الخدمات الحكومية إلى طريق مسدود، بسبب الرفض الشعبي لها، تساؤلاً مستحقاً، حول أسباب عدم تقبل المواطنين والمقيمين زيادة أسعار الخدمات حكومياً، في حين أنهم لا يمانعون في دفع رسوم أعلى لخدمات مماثلة يقدمها القطاع الخاص؟!
وفي هذا الصدد، التقت «الراي» متخصصين في الإدارة والتخطيط، خلصت آراؤهم إلى أن جمهور المستهلكين مستعدون لزيادة الأسعار، في حال تحسن الخدمات ومضاهاتها للخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، مؤكدين ضرورة أن يستوعب الموظفون الحكوميون الذين يرتبط عملهم بخدمات للجمهور، أنهم مقدمو خدمة، وأن واجبهم تيسير الإجراءات لا «التعالي» على المراجعين.
وأشاروا إلى عبارة شهيرة اعتاد الكثير من الموظفين في المرافق الحكومية على إطلاقها في وجه المراجعين، تنفّر الكثيرين من التعامل معهم، هي «اقعد مكانك»، على النقيض تماماً من حسن المعاملة في القطاع الخاص، الذي يجعل الكثير من المواطنين والمقيمين يفضلون الحصول على الخدمات عبر شركاته.
وأوضح المختصون أن حاجزاً نفسياً بات لدى المراجعين من المواطنين والمقيمين، من التعامل مع الموظفين الحكوميين، إذ لا يشغلون بالهم بطالب الخدمة، أو إنجازها بالصورة اللائقة، نظراً لأن رواتبهم مدفوعة كاملة في نهاية الأمر، مشددين على أن تقديم الخدمات الحكومية على طريقة «اقعد مكانك»، يمثل فرصة ضائعة على الدولة تتمثل في قيمة الإيرادات التي يمكن تحصيلها لو استطاعت تقديم خدماتها بنفس مستوى القطاع الخاص، لا سيما مع الإقبال الكبير من قبل المواطنين والمقيمين على طلب الخدمة من شركات القطاع رغم ارتفاع تكلفتها، وهو ما يعني أن التكلفة في حد ذاتها ليست هي المشكلة، بل الأداء الحكومي في تقديم الخدمة.

دراسة متأنية
ومن ناحيته، أكد أستاذ الإدارة العامة في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت، الدكتور هليل المطيري، أن تجربة إسناد تقديم بعض الخدمات الحكومية إلى القطاع الخاص في الكويت أثبتت نجاحها، ضارباً مثلاً بتوجه العديد من المواطنين والمقيمين نحو الفحص الفني لسياراتهم لدى شركات القطاع الخاص، رغم فرض تلك الشركات لرسوم إضافية تزيد قيمتها على تكلفة الخدمة نفسها في القطاع الحكومي.
وأشار إلى أن حالة الرفض من قبل المواطنين أو المقيمين لأي توجه لفرض رسوم على أي من الخدمات الحكومية تستحق الدراسة المتأنية، خصوصاً وأن ذات الأشخاص يدفعون بالفعل وبكامل إرادتهم رسوماً أعلى وبطيب نفس للحصول على الخدمة ذاتها في القطاع الخاص، منوهاً إلى أن إقبال المواطنين والمقيمين على خدمات القطاع الخاص وتفضيلهم له رغم ارتفاع الرســــوم يرجع إلى 4 أسباب رئيسية هي:
1- أسلوب الموظف: إذ إن معظم الموظفين الحكوميين يحتاجون إلى نوع من التأهيل والتدريب للتعامل مع الجمهور، ليستوعبوا أنهم مقدمو خدمة، وأن واجبهم تيسير الإجراءات لا «التعالي» على المراجعين، خصوصاً مع الكلمة الشهيرة للكثير منهم «اقعد مكانك»، الأمر الذي ينفر منه المراجعون، وذلك على النقيض تماماً من موظفي القطاع الخاص الذين يعطون الأولوية والرعاية اللازمة للمراجعين، دون تعريضهم لأي مشاعر سلبية قد تؤثر في نفسياتهم.
2- مدة العمل: الكثير من الموظفين الحكوميين الذين ترتبط أعمالهم بخدمات يقدمونها للجمهور، لا يشغلون بالهم مصالح المراجعين، فتجدهم ينهون أعمالهم ويتوقفون عن استقبال طلبات المراجعين في بعض الجهات قبل الساعة 12 ظهراً وبمعدل عمل يقل عن 4 ساعات يومياً، فيما على النقيض من ذلك تجد القطاع الخاص يشرّع أبوابه لمدد قد تصل إلى 12 ساعة يومياً يستقبل المراجعين فيها على مدار الساعة.
3- تسهيل الخدمة: يوفر القطاع الخاص كافة ما يريده طالب الخدمة في مكان واحد، بدلاً من أن يأخذ المراجع دورة طويلة، الأمر الذي أدركته الحكومة أخيراً.
4- الحاجز النفسي: بات لدى الكثير من المراجعين من المواطنين والمقيمين حاجز نفسي من التعامل مع الموظفين الحكوميين، مع ترسخ فكرة أن الموظف الحكومي لا يهتم بالمراجع أو بإنجاز الخدمة بالصورة اللائقة، نظراً لأن رواتبهم مدفوعة كاملة في نهاية الأمر. وبات العديد من المواطنيــــن والمقيميــن يفضلون القطاع الخاص الذي يُعاملهم بصورة لائقة، ويخضع الموظفون المقدمون للخدمات لديه لبرامج جودة، وعمليات تقييم لطريقة تعاملهم مع طالبي الخدمة، قد تؤثر على مدخولهم وتدرجهم الوظيفي، ما يستدعي تعاملهم بآليات مبتكرة تساعد في رفع مستوى الرضا لدى العملاء.
وأشار المطيري إلى أن العوامل السابقة تُبين أن هناك استعداداً حقيقياً لدى المواطنين والمقيمين لدفع رسوم مقابل الخدمات التي يحصلون عليها شريطة ألا يكون التعامل بطريقة موظفي الحكومة الحالية، وأن تُقدم الخدمة بصورة لائقة وبسرعة مناسبة، ذاكراً 3 عوامل على الحكومة أن تعمل عليها للاستفادة من استعداد المواطنين والمقيمين لدفع رسوم أعلى مقابل الخدمة تتمثل في:
1- إعادة تأهيل: المطلوب من الحكومة أن تتولى إعداد برامج متكاملة لإعادة تأهيل موظفيها الذين يتعاملون مع الجمهور مباشرة، عبر برامج مدروسة توضح العلاقة بينهم وبين طالبي الخدمة، وصولاً بأدائهم إلى أداء القطاع الخاص.
2- أذرع استثمارية: الأذرع الاستثمارية للدولة مطالبة بإنشاء شركات خاصة جديدة تتولى تقديم الخدمات الحكومية كافة بمفاهيم متطورة، ما سيساهم بصورة كبيرة في رفع الإيرادات غير النفطية في الموازنة العامة، خصوصاً وأن هناك خدمات مجانية سيصبح لها مقابل تستفيد منه الدولة.
3- إسناد الخدمات للقطاع الخاص: وهي تجربة أثبتت نجاحها في الكويت، لكن الأمر يحتاج إلى عقود انتفاع تُدرّ على الدولة نسبة مرضية من العائد الذي يحققه القطاع الخاص.

فرص ضائعة
بدوره، يرى العميد المساعد في كلية العلوم الإدارية لقطاع التخطيط بجامعة الكويت، الدكتور عصام الربيعان، أن الحكومة بإمكانها الاستفادة من تجربة إسناد خدمات الدولة إلى القطاع الخاص، وتلافي الفرص الضائعة التي لم تستفد بها الموازنة من تحقيق إيرادات إضافية تُقدر بملايين الدنانير سنوياً.
ونوه الربيعان إلى أن الإقبال على الخدمات التي يتولاها القطاع الخاص على الرغم من أنها تقدم برسوم إضافية، يعني أن بإمكان الحكومة النجاح في تقديم الخدمات نفسها بصورة مماثلة، بل وأفضل، إذا وقفت على السبب الرئيسي لذلك، وهو منظومة الأداء الحكومي التي يعتبر العنصر البشري محورها الرئيسي، مؤكداً أن الجهات الحكومية المعنية بتقديم خدمات للمواطنين والمقيمين بصورة يومية، سواء تحصيل رسوم أو تقديم خدمات، يمكنها تغيير آليات عملها وإضافة الرسوم كمصدر إضافي للإيرادات، بشرط واحد فقط هو الاهتمام بمستوى الخدمات المقدمة، الأمر الذي سيلاقي استحسان المواطنين والمقيمين.
وأشار الربيعان إلى أن الحكومة مطالبة بخطة واضحة للوصول بمستوى خدماتها إلى معدلات تفوق ما يقدمه القطاع الخاص، من خلال المحاور التالية:
1- برامج تدريب مستمر: إذ يمكن للحكومة إعادة تأهيل موظفيها ببرامج تدريب مستمر حول الخدمات التي يقدمونها، ليستطيعوا الإلمام بكل جوانبها والتحديثات القانونية وسبل معالجتها للتيسير على المواطنين والمقيمين، ناهيك عن وضع بروتوكولات توضح العلاقة بين الموظف كمقدم خدمة، والعميل كطالب خدمة يجب إرضاؤه والتيسير عليه وفق الأطر القانونية.
2- تعزيز أنظمة الرقابة: يجب أن تكون ممارسات الموظفين الحكوميين ومهامهم تحت الرقابة السابقة واللاحقة، وفق مؤشرات قياس تحدد مدى توافق الأعمال اليومية مع البروتوكولات الموضوعة سابقاً لقياس مدى جودة الخدمات.
3- الاهتمام بالوقت: من خلال تحديد الوقت اللازم لإنجاز المعاملة والعمل على تقليصه بصورة دائمة من خلال تقليل الإجراءات.
4- التغذية العكسية: عبر إتاحة الفرصة للمراجعين للتقدم بمقترحاتهم بأريحية إلى الإدارات المعنية والاستماع إلى شكاواهم والعمل على تلافيها مستقبلاً.
وتطرق الربيعان إلى أن الفرص الضائعة على الدولة تتمثل في قيمة الإيرادات التي يمكن للحكومة تحصيلها لو استطاعت تقديم خدماتها بالمستوى نفسه في القطاع الخاص، خصوصاً مع الإقبال الكبير من قبل المواطنين والمقيمين على طلب الخدمة من القطاع الخاص رغم ارتفاع تكلفتها، ما يعني أن التكلفة في حد ذاتها لم تكن المشكلة، بل الأداء الحكومي.
وذكر أن الحكومة تحدثت أكثر من مرة عن مشروع لإعادة تقييم رسوم خدماتها، الأمر الذي قد ينظر له المواطن والمقيم على أنه غير مستحق، وعلى النقيض تماماً تجده يدفع مقابلاً للخدمة في القطاع الخاص، لافتاً إلى أنه تقييم الحكومة لمستوى خدماتها وإضافة الرسوم المطلوبة للحصول على الخدمة بالشكل اللائق وفي الوقت المناسب، سيمكّنها من تحقيق إيرادات مليونية غير نفطية تساهم في دعم الموازنة العامة للدولة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي