No Script

ثورة إيران ... تتويج لفشل نظام

تصغير
تكبير

طبيعي أن ينتفض الشعب الإيراني على نظام في حال هروب الى خارج حدود إيران منذ أربعين عاماً. أكثر من طبيعي أن تشمل الثورة الشعبية كلّ ايران وذلك بعدما طفح كيل المواطنين العاديين من الدجل الذي يمارس في حقّهم والذي جعل نصف سكان البلد، أي نحو أربعين مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر المتعارف عليه عالميا.
قد لا ينجح الشعب الايراني هذه المرّة من التخلّص نهائيا من النظام. سينجح غدا أو بعد غد. ما لا بدّ من الاعتراف به ان النظام يمتلك آلة قمعية رهيبة. ظهر ذلك بوضوح في أثناء «الثورة الخضراء» في العام 2009 حين أُخمدت ثورة الشباب الايراني بالدم والنار. لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به أيضا دخول ايران مرحلة لا عودة فيها الى خلف، نظرا الى أنّ النظام القائم ليس قابلا للحياة، مهما كانت القوة القمعية التي يمتلكها تمتلك من امكانات. هذا يعود بكلّ بساطة الى أن ليس في استطاعة النظام أن يكون نظاماً طبيعياً يهتمّ بأمور شعبه بدل اعتماد الشعارات الكبيرة الطنانة. تبيّن مع مرور الوقت انّ هذه الشعارات لا تسد جوع المواطن العادي ولا تجعله يأمل بمستقبل أفضل له ولأولاده.
ما تشهده إيران هذه الايّام هو تتويج لفشل نظام ليس لديه ما يصدرّه غير السلاح والبؤس والميليشيات والغرائز المذهبية، في حين يشكو الإيراني العادي من غياب لقمة العيش ومن صرف الأموال على «حزب الله» في لبنان أو «حماس» أو «الجهاد الإسلامي» في غزّة أو «أنصار الله» في اليمن. ما الذي يؤدي اليه الاستثمار في الميليشيات؟ هل الاستثمار في البؤس يمكن أن تكون له أي نتائج إيجابية على أيّ صعيد كان؟


سقط النظام الإيراني، أي نظام «الجمهورية الإسلامية» الذي أسّسه آية الخميني في العام 1979 بمجرّد أنّه صار أكثر اعتمادا على دخل النفط والغاز أكثر مما كانت عليه الحال في عهد الشاه. ذهب الشاه ضحيّة تردده والمرض (السرطان) الذي عانى منه في السنوات الخمس الأخيرة من عهده. استطاع الخميني الذي كان يمتلك دهاء شديدا السيطرة على الثورة وتجييرها لمصلحة إقامة نظام على قياسه هو نظام الوليّ الفقيه.
في كلّ ما فعلته ايران في السنوات الأربعين الماضية، كانت هناك حلقة مخفية اسمها العلاقة مع اميركا. سمحت هذه العلاقة مع الولايات المتّحدة للنظام بالبقاء في السلطة بعدما وجدت الادارات الأميركية المتلاحقة أنّ لديها مصلحة في بقائه. من إدارة جيمي كارتر التي تعمّدت تفادي المواجهة العسكرية، على الرغم من احتجاز الديبلوماسيين الأميركيين في طهران لمدة 444 يوماً من دون وجه حق... الى إدارة باراك أوباما التي عملت كلّ ما تستطيع من أجل تلبية مطالب النظام الإيراني والافساح له في المجال من أجل التنفس مالياً، كانت لكلّ إدارة قصتها مع «الجمهورية الإسلامية». عقدت إدارة رونالد ريغان صفقة مع النظام الايراني الذي لم يفرج عن رهائن السفارة إلّا بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في خريف 1980. ضمن ذلك فوز ريغان على كارتر. تغاضى ريغان في تشرين الاوّل – أكتوبر 1983 عن نسف مقرّ المارينز قرب مطار بيروت في عملية تقف إيران وراءها. تجاهل سقوط ما يزيد على 250 عسكرياً أميركياً قتلى. أكثر من ذلك، انسحب عسكرياً من لبنان إرضاء لإيران.
صرفت إدارة جورج بوش الاب التي لم تستمر سوى أربع سنوات معظم جهدها على معالجة النتائج المترتبة على الاجتياح العراقي للكويت. وجدت في إيران حليفاً غير مباشر لها في تلك المرحلة بعدما ارتكب صدّام حسين كلّ الأخطاء التي يستطيع حاكم للعراق ارتكابها بما يخدم النظام في ايران.
لم يكن بيل كلينتون مهتماً بأيّ مواجهة مع ايران. خلق حال تعايش معها استفادت «الجمهورية الإسلامية» منها الى ابعد حدود في انتظار تلك الفرصة التي لا تقدر بثمن التي اتاحتها لها إدارة جورج بوش الابن في العام 2003. في عهد بوش الابن، سلمت أميركا العراق على صحن من فضّة الى ايران. كانت تلك الانطلاقة الثانية للمشروع التوسّعي الإيراني الذي بدأ يعاني حاليا من تصدير أزماته الى خارج، أي الى لبنان وسورية واليمن والبحرين والعراق تحديدا. ليس لدى هذا النظام ما يصدره سوى الأزمات. ما صدّره الى العراق الذي كان ورقة أساسية لديه، ارتدّ على الداخل الايراني. رأى الايرانيون كيف انتفض العراقيون على نظامهم الفاسد. لم يجدوا من خيار آخر غير الثورة على نظام الخميني والوليّ الفقيه علي خامنئي.
هناك فضل كبير في ما يجري في إيران للعراق لو ادارة دونالد ترامب أدركت أنّ المشكلة مع إيران ليست في الملفّ النووي. مزقت إدارة ترامب الاتفاق في شأن الملفّ النووي الذي وقّع صيف العام 2015 عندما كان لا يزال باراك أوباما في البيت الأبيض.
الاهمّ من ذلك كلّه ان الإدارة الأميركية الحالية انضمّت الى الدول العربية، على رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتّحدة في اعتبار أن المشكلة مع إيران ليست في ملفّها النووي فقط. المشكلة في السلوك الايراني خارج حدود ايران. هناك هوس إيراني في لعب دور إقليمي يحتاج الى اقتصاد قوي ومتنوع قادر على الوقوف على رجليه قبل أيّ شيء آخر.
استطاعت إدارة ترامب إصابة ايران عند نقطة الضعف التي تعاني منها، أي الاقتصاد. بدأت إيران تشعر بمدى تأثير العقوبات الأميركية عليها. أمّا الايرانيون أنفسهم فبدأوا يتأثرون بشجاعة العراقيين الذين لا يقاومون نظاماً فاسداً فحسب، بل يقاومون المستعمر الايراني أيضا.
في نهاية المطاف، ستتحرّر ايران عاجلا أم آجلا من نظام متخلّف يعيش من تصدير أزماته الى خارج حدوده. ليست ايران وحدها التي ستتحرّر. سيتحرّر لبنان وسورية والعراق. سيتحرّر اليمن، الذي لا يعاني من الحوثيين وتخلّفهم فحسب في صنعاء، بل من غياب «شرعية» تستطيع أن تكون صاحبة مشروع لليمن كلّه أيضا.
لا بدّ بالطبع من التعاطي مع الموضوع الايراني بحذر. لكنّ ما يدعو الى التفاؤل أن إيران كلّها ثائرة على النظام القائم بكلّ ما يمثله من ظلم وظلام وظلامية في وقت ليس ما يشير الى أنّ وضعاً غير طبيعي مثل وضع النظام الايراني يمكن ان يستمرّ الى النهاية... وفي وقت يبدو أن الإدارة الأميركية ليست على استعداد للتراجع عن العقوبات التي فرضتها على ايران. انّها عقوبات بدأت مفاعيلها تظهر بوضوح مع ما يعنيه ذلك من تغييرات على مستوى المنطقة ككلّ...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي