واشنطن تعيد إحياء «مشروع كاساندرا» لاستهداف «حزب الله» وحلفائه
إدارة ترامب جادة في تشديد الخناق على السياسيين اللبنانيين المتعاونين مع إيران أو «حزب الله»
لم تكن علاقة الولايات المتحدة بـ«حزب الله» متوترة دائماً، فرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري بذل جهدا كبيرا لانتزاع الاعتراف بالحزب في اتفاقية أبريل العام 1996، وفي تقديم الحزب كمؤسسة لبنانية سياسية.
وبعد اغتيال الحريري، وقبيل انسحاب سورية من لبنان في أبريل 2005، كانت واشنطن تأمل في طي ماضي لبنان الميليشيوي، وهو ما قاله الرئيس السابق جورج بوش الابن، اثناء استقباله ملك الأردن عبدالله الثاني، في 16 مارس 2005، وفي اليوم التالي لدى استقباله بطريرك الموارنة السابق نصرالله بطرس صفير. قال بوش: «آمل ان يبرهن حزب الله انه ليس تنظيما إرهابيا بإلقائه سلاحه».
وتابعت وزيرة خارجية بوش، كوندوليزا رايس هذه السياسة تجاه الحزب، اذ على الرغم من حرب يوليو 2006 مع إسرائيل، ظلّت رايس تأمل في ان يتحول «حزب الله» الى حزب سياسي بلا ميليشيا عسكرية، وهي لهذا السبب، شجعت «تحالف 14 مارس» على التحالف مع الحزب في انتخابات 2005 البرلمانية، وفي الدخول معه في تسوية في اتفاقية الدوحة في مايو 2008.
كل محاولات واشنطن في حمل الحزب اللبناني على التخلي عن السلاح الخارج عن سيطرة الحكومة المنتخبة باءت بالفشل، فأطلقت ادارة بوش حملة «مشروع كاساندرا»، التي كانت تهدف الى إحصاء عمليات التمويل غير الشرعي للحزب، ومحاولة تجفيف منابع التمويل.
لكن مع وصول باراك أوباما الى الرئاسة، انتصر الجناح المعارض لمحاصرة «حزب الله» مالياً، وهو جناح قاده مستشار أوباما ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) لاحقاً جون برينان، الذي كتب في دورية «الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية»، في يوليو 2008، ان «السبيل الأنجح للتعامل مع إيران يقضي بفتح حوار مباشر معها، وحثّ حزب الله على المزيد من الانخراط في النظام السياسي اللبناني، وقبول قلق ايران المشروع حول شؤون الأمن الإقليمي».
وتحولت دراسة برينان الى كتاب ارشادات لم تحد عنه أوباما، بالتزامن مع فتح حوارات مباشرة مع طهران، ومع الحوثيين في اليمن، وحوار غير مباشر مع «حزب الله».
وفيما كان مسؤولو أوباما يتحاورون مع طهران وحلفائها، كانت الوكالات الحكومية المركزية تمضي بالعمل وفقاً لـ«مشروع كاساندرا»، وتحصي أفراد شبكات التمويل، وتبييض الأموال، والاتجار بالمخدرات والسلاح والسيارات المستعملة، وكلها شبكات كانت تمرر ارباحها للحزب اللبناني. لكن اوباما، الذي كان يستجدي صداقة ايران، جمّد أي اجراءات أميركية ضدها أو ضد «حزب الله»، الى ان خرج من الحكم وخلفه دونالد ترامب، الذي أعاد إطلاق المشروع المذكور، بل وسّعه وعززه، وأضاف اليه «الحرس الثوري الايراني» بأكمله.
هكذا، صنفت إدارة ترامب - منذ مطلع العام 2017 - نحو 40 مؤسسة وفرداً على ارتباط بالحزب، «كيانات إرهابية»، وحظّرت التعامل معها، وكان آخرها مؤسسة صيرفة تابعة للبناني قاسم شمص، الذي صنفته وزارة الخزانة على انه من أرباب الاتجار بالمخدرات، وأعلنت انه يسهل انتقال الأموال ووصولها الى ايدي «حزب الله».
وفي 2011، كانت دائرة جنوب نيويورك ادعت على مجموعة من الأشخاص والمؤسسات اللبنانيين بتهمة مساعدة «حزب الله» بتبييض 480 مليون دولار في عام واحد، وتضمنت لائحة الادعاء البنك اللبناني الكندي، ومؤسسة «حسن عياش للصيرفة»، وذكرت أن هؤلاء قاموا بنقل أموال لمصلحة الحزب عن طريق مصارف لبنانية، مثل بنك لبنان والمهجر، وبنك الشرق الأوسط وإفريقيا، والبنك الفيديرالي.
كما ادعت الدائرة نفسها ضد اللبناني مارون سعادة، الذي وصفته بأنه «عضو في التيار الوطني الحر»، التابع للرئيس اللبناني ميشال عون والمتحالف مع «حزب الله». ووصف الادعاء، سعادة بأنه من أرباب الاتجار بالمخدرات.
وفي ابريل 2016، ادعت الدائرة نفسها ضد اللبنانيين علي فياض وفوزي جابر وخالد المرعبي، ووصفت فياض بأنه تاجر سلاح، ومن كبار مسؤولي «حزب الله»، وأفادت بأنه يعمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويساهم بتزويد السلاح في سورية والعراق. وبعد «عملية لدغة» قامت بها الوكالات الأميركية، تم اعتقال فياض في براغ، في ربيع 2014، إلا أن إدارة أوباما لم تباشر «عملية انتزاع» الى واشنطن لمحاكمته، فأطلقته الحكومة التشيكية تحت ضغط من بوتين، وعاد فياض الى بيروت.
إدارة ترامب قامت بإعادة تجديد «مشروع كاساندرا»، وتوسيعه ليشمل شخصيات لبنانية متنوعة، منها من «التيار الوطني الحر»، ومنها شخصيات تابعة لرئيس البرلمان نبيه بري. ويشكّل وضع شمص على لائحة العقوبات فاتحة المجهود الأميركي المتجدد، الذي دفع بشخصيات لبنانية مؤيدة لعون، وبينهم مسؤولون رفيعو المستوى في وزارة المالية، الى زيارة واشنطن، الأسبوع الماضي، في محاولة لثنيها عن ملاحقة اللبنانيين من غير أعضاء «حزب الله»، فيما يحاول مسؤولو «التيار الوطني»، تسويق انتخاب صهر عون، وزير الخارجية جبران باسيل، رئيساً بعد انتهاء ولاية لعون.
وكما سبق أن أوردت «الراي»، تبدو واشنطن جادة من أي وقت مضى في تشديد الخناق على لبنان والعديد من المسؤولين، على أنواعهم، ممن يتعاونون مع إيران أو «حزب الله» ويستفيدون منهما مالياً أو سياسياً، والأرجح أن السعي السياسي لمسؤولي الأحزاب المتحالفة مع «حزب الله» في العاصمة الأميركية لن تنجح في ثني الأميركيين عن موقفهم.