No Script

فضائح عدة كشفت تلاعبات واختلاسات بمئات ملايين الدنانير

من يدقّق على مدققي... الحسابات؟!

No Image
تصغير
تكبير

أموال آلاف المساهمين الكويتيين تبخّرت بجرة قلم مدقق لم يراعِ شرف المهنة

الرجعان كان يسرح ويمرح بميزانيات معتمدة من قبل  أكثر من مكتب «مرموق» 

خبراء: إذا أحسنا الظن  فالمكتب غير محترف ... وإذا أسأنا فهو على علم ومستفيد

عزل شركة كبرى لمراقبي حساباتها لم يشفع للمساهمين بعد شطبها من البورصة 

تضليل البنوك والتحايل عليها ببيانات مالية تم التلاعب فيها للحصول على قروض

علاقات خاصة تحكمها المصالح والمنفعة تربط مجلس الإدارة بمراقب الحسابات

كلما كان المراقب مطيعاً ومتعاوناً نال الرضا وضمن الاستمرار وزيادة الأتعاب

4 عوامل تفتح الباب واسعاً للتلاعب بالبيانات المالية للشركات والمؤسسات

 الاعتماد دائماً على مراقب حسابات واحد فقط يقوم بالتدقيق ... عامل ضعف

 

خيط رفيع يفصل بين «الحلال» و«الحرام» في عالم المال والأعمال، يُمسك بطرفي هذا الخيط مجالس الإدارات من جهة، ومدققو الحسابات من جهة أخرى.
من المفترض أن يعمل مدققو الحسابات وفق أسس ومعايير محددة وواضحة، تحافظ على هذا الخيط دون ارتخاء يُضر بمصالح الشركات ومساهميها، ويفتح الباب واسعاً أمام السرقات، ودون شدّ أكثر من المطلوب يمثل تكلفة إضافية، ويضيع العديد من الفرص التجارية والاستثمارية.
ولكن ما الذي يحصل إذا تلاعب مدققو الحسابات بهذا الخيط، وضربوا بالقانون عرض الحائط، والمعايير، والمقاييس، والأسسس المعتمدة في عملهم المثخن بالأرقام.
تتوقف مصادر عليمة بخبايا هذا القطاع عند أكثر من ملف، ذهب ضحيتها آلاف المساهمين الكويتيين الذين تبخّرت أموالهم إلى جانب مال الكويت العام بجرة قلم مدقق لم يُراعِ أصول وشرف المهنة التي باتت سمعتها على المحك.
ولعل أبرز هذه الملفات والفضائح، فضيحة الاختلاسات الضخمة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، التي كان بطلها المدير العام الأسبق لـ«المؤسسة» فهد الرجعان يسرح ويمرح بالميزانيات وأرقامها المعتمدة من قبل أكثر من مكتب تدقيق «مرموق» لتتجاوز حصيلة ما اختلسه الرجل بمعية صحبه عتبة الـ800 مليون دولار.
حصل كل هذا على مدار سنوات طويلة، وكانت مكاتب التدقيق تراجع وتصدّق كل شاردة وواردة في الميزانيات المتعاقبة من دون أدنى تحفظ.
تقول مصادر عليمة ببواطن هذا الملف «حدث ذلك بالفعل، لقد اختلس الرجعان مئات الملايين بتواطؤ من جهات كثيرة، على رأسها مكتب التدقيق الذي إذا أحسنا الظن به يكون غير محترف، ولا يفقه في علم الأرقام شيئاً، وإذا أسأنا الظن به فهو على علم بكل شيء، ولكنه كان مستفيداً».
أما الحالة الثانية، فهي شركة كبرى تم شطبها أخيراً من البورصة بعد تعذّر تقديم بياناتها لفترات طويلة ولأسباب عدة، على رأسها نقل التكاليف بين مشروعات الشركة بشكل غير صحيح وغير دقيق وفق ما انتهت إليه لجنة معنية قامت بالتحقيق بهذا الملف، ليصار في ما بعد إلى عزل مكتب مراقبي حسابات الشركة بعد ثبوت وجود ممارسات مشبوهة بحسب ما توصلت إليه اللجنة المشكّلة من الجهة الرقابية.
ولكن كل ذلك لم يشفع وفق خبراء لمساهمي الشركة التي كانت حتى الأمس القريب واحدة من أهم وأضخم الشركات في قطاع المقاولات، لتذوب حقوق المساهمين بغمضة عين. كما أنه لم يشفع من وجهة نظر هؤلاء للبنوك المقرضة التي تم التحايل عليها وتضليلها ببيانات مالية تم التلاعب فيها على مدار عدة سنوات حتى تقوم بمنح عشرات الملايين لهذه الشركة قبل إعلان الممارسات المشبوهة، وإثبات خسائر كبيرة جداً.

4 عوامل

من ناحيته، أفاد مصدر مطلع على مجريات واحدة من أكبر قضايا تلاعب مراقبي الحسابات بأموال المؤسسات والمساهمين في الكويت، بأن هناك 4 عوامل محورية تفتح الباب واسعاً أمام مراقبي الحسابات للتلاعب بالبيانات المالية للشركات، وهي كالتالي:

 1

التعيين والاختيار: يتم تعيين مراقبي الحسابات من قبل الجمعية العمومية للمساهمين للشركة شكلاً، ولكن في الحقيقة (يتابع المصدر) يتم تعيينه من قبل مجلس الإدارة الذي غالباً ممن تربطه ببعض أعضائها علاقات خاصة تحكمها المصالح والمنفعة. فكلما كان مراقب الحسابات مطيعاً ومتعاوناً نال الرضا وضمن الاستمرار وزيادة الأتعاب، والعكس صحيح أيضاً.
ويضيف المصدر «لذلك نرى استمرار مدقق الحسابات الذي تسبب واشترك في العديد من الممارسات المشبوهة في أعماله دون أدنى عقاب حتى في الشركات والكيانات المتضررة نفسها.

2

الفحص بالعينات: يتذرّع مراقبو الحسابات بأنهم يقومون بنظام التدقيق من خلال اختيار عينات عشوائية من البيانات المالية للتدقيق عليها، وذلك تهرباً من المسؤولية، إذ إن هذه الكيفية وهذه الطريقة في العمل لا تعد مناسبة مع العديد من الشركات والكيانات الاقتصادية العملاقة، خصوصاً وأن معاملاتها دائماً ما تكون بمبالغ مليونية، ما يتطلب بذل عناية أكبر من مجرد الفحص بنظام العينات.

 3

العناية المحترفة: اختيار مراقب الحسابات يأتي دائما لما يتمتع به من قدرة على بذل العناية المحترفة لكشف أي تلاعبات بالبيانات المالية نتيجة لما لديه من خبرات تراكمية، تُعينه على الوصول إلى الحقائق الكاملة، وتصويب أي انحراف متوقع، أو كشفه في تقريره الدوري، مع العلم بأن مراقبي الحسابات يجب عليهم بذل عناية الشخص المحترف، إذ إنهم معيّنون بأجر من قبل الجمعيه العمومية للمساهمين، ليكونوا العين الساهرة على حراسة أموال المساهمين. ونظراً لأن نطاق كلمة العناية المحترفة واسع، فإن مراقب الحسابات دائماً ما يتذرع بأنه بذل العناية المحترفة معتمداً في ذلك على هذا النظام الواسع، وعلى عدم وجود خبراء في الجهات التي تقوم بمحاسبته.

 4

التدعيم بالوثائق: عملية الفحص التي يقوم بها المراقب ما لم تكن مدعمة بالوثائق والمستندات التي تثبت في تقريره، فإنها تكون باباً خلفياً للتلاعب والاختلاسات، خصوصاً وأن الوثائق دائماً ما تنهي أي جدال.
وأكد المصدر، أن مراقب الحسابات هو شخص يتم تعيينه من قبل الجمعية العمومية ثقة في قدرته واحترافه، إذ يُعد عمله أساس كشف أي تلاعبات من قبل الإدارة التنفيذيه للشركة، لاسيما وأن قاعدة المثلث تتمثل في المساهمين، وضلعيه في مراقب الحسابات والمسؤول عن كل ما ورد في تقريره المالي، ومجلس الإدارة والإدارة التنفيذية التي تقوم بإدارة مشاريع الشركة، وعليه عند وجود أي مشكله في البيانات المالية للشركة يُسأل عنها مراقب الحسابات مع مجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية للشركة، خصوصاً إذا ما كان مجلس الإدارة هو من قام بترشيح مراقب الحسابات والإصرار على تعيينه واستمراره وتحديد أتعابه، بل وتكليفه القيام بأعمال أخرى كثيرة مقابل أتعاب خيالية بغض النظر عن الحاجة لهذه الأعمال الأخرى، وبغض النظر عن وجود تضارب مصالح، المهم هو «تنفيع» مراقب الحسابات بما يضمن تواطؤه وولاءه وعدم إفشاء الأسرار.

تلاعبات بالجملة

أكدت المصادر أن «التجارب والوقائع الأخيرة في الكويت أظهرت وجود تلاعبات بالجملة من قبل المراقبين في بعض الشركات»، لافتة إلى «تغريم أحد المراقبين بمبلغ كبير نتيجة لما شهدته الشركة التي يعمل على مراقبة حساباتها من تلاعبات انتهت بشطب الشركة من سوق الكويت للأوراق المالية، وصولاً إلى إجراءات التقاضي التي تشهد ندب خبير قضائي لاحتساب الأضرار التي لحقت بالشركة نتيجة لما فعله مراقب الحسابات، وهو ما يطرح تساؤلاً محورياً من يراقب مراقب الحسابات؟، ومن يدقق على المدقق؟».

أسواق المال

من ناحيتها، أفادت مصادر قانونية رقابية، أن عملية خضوع مراقب الحسابات إلى رقابة هيئة أسواق المال تنطبق على الشخص الذي ينتمي إلى مكتب التدقيق شريطة أن يكون مرخصاً لدى «الهيئة»، وفقاً للضوابط واللائحة المنظمة لذلك.
وذكرت أن هناك رقابة على الشركات المدرجة، وبعض الشركات المرخص لها غير المدرجة، والتي تخضع لرقابة «الهيئة»، ونصوص القانون رقم (7 لسنة 2010) ولائحته التنفيذية وتعديلاتهما، ما عدا الخاضعة لرقابة بنك الكويت المركزي.
وأكدت المصادر، أن هناك عقوبات نظمتها المادة 146 من القانون آنف الذكر، والتي تنص على «لمجلس التأديب بعد التحقق من المخالفة أن يوقع أيا من الجزاءات التالية:

1 - التنبيه على المخالف بالتوقف عن ارتكاب المخالفة.

2 - الإنذار.

3 - إخضاع المخالف لمزيد من الرقابة.

4 - إلزام المخالف بإعادة اجتياز الاختبارات التأهيلية.

5 - الوقف عن العمل أو مزاولة المهنة لمدة لا تتجاوز السنة.

6 - الوقف عن مزاولة العمل أو المهنة بشكل نهائي.

7 - وقف الترخيص لمدة لا تجاوز 6 أشهر.

8 - إلغاء الترخيص.

9 - فرض قيود على نشاط أو أنشطة المخالف وتحدد اللائحة التنفيذية هذه القيود.

10 - إلغاء المعاملات ذات العلاقة بالمخالفة، وما ترتب عليها من آثار مع الإضرار بحقوق الغير حسن النية.

11 - إلغاء أي تصويت من صاحبه أو توكيل أو تفويض يتم الحصول عليه، وذلك بالمخالفة لأحكام هذا القانون.
وأوضحت المصادر، أن هناك قائمة تضم نحو 36 من مراقبي الحسابات المرخصين في الكويت».

18 شكوى  خلال 3 سنوات

تقول مصادر وزارة التجارة، إن إجمالي عدد الشكاوى التي قُدّمت بحق مراقبي الحسابات منذ العام 2016 وحتى الآن بلغ نحو 18 شكوى.
ولفتت إلى أن الدور المنوط بالوزارة تجاه مكاتب التدقيق وعملية الرقابة عليها، يتمثل في قيام وكيل الوزارة بتحويل أي شكوى أو مخالفة مقدمة له إلى لجنة التأديب الخاصة بمراقبي الحسابات للنظر فيها.
ونوهت إلى أن المخالفات المنسوبة إلى مراقبي الحسابات عادة تكون مخالفة للقانون رقم (5) لسنة 1981 في شأن مزاولة مهنة مراقبة الحسابات، أو مخالفة المعايير المحاسبية، أو مخالفة قواعد شرف المهنة.
أما المخالفات، فتنظر فيها لجنة التأديب المعنية، وبعد صدور قرارها النهائي، يجوز لمراقبي الحسابات التظلم على القرار خلال شهر من تاريخ صدوره، ويرفع إلى لجنة التأديب الاستئنافية للنظر فيه، فيما تكون العقوبات طبقاً للمادة (23) من القانون على الشكل التالي:
1 - الإنذار.
2 - الوقف.
3 - شطب الاسم من سجل مراقبي الحسابات.

تساؤلات مشروعة


تساءلت المصادر «لماذا لم نسمع عن إيقاف مراقب حسابات، أو إلغاء ترخيصه، أو شطبه، أو مطالبته بتعويض المساهمين عن الأضرار التي لحقت بهم في الكثير من الحالات، وذلك على الرغم من الممارسات المشبوهة، وحالات الغش والتضليل الموثقة التي اشترك فيها مراقب الحسابات؟».

 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي