No Script

الرأي اليوم / ألا هل بلّغت... اللهمّ فاشهد

No Image
تصغير
تكبير

في البدء، دعاء من قلب كل كويتي لصاحب السمو بأن يمنّ عليه الله عزّ وجلّ بالصحة والعافية ليعود إلى ديرته التي أحبّها وأحبّته سالماً معافى.
في المناسبة، ذكرى واستذكار. الذكرى مرور 30 عاماً على غزو الكويت، والاستذكار هو لأعظم درس في الوحدة الوطنية وتلاحم الشعب الكويتي مع قيادته لتخطّي أكبر محنة تعرّضت لها البلاد منذ تأسيسها. ولا نبالغ في القول إن هذا التلاحم شكّل الأرضيّة التي من دونها لا كان تحرير ولا كانت استعادة أرض ولا كان بقاء دولة.
الثاني من أغسطس 1990 كان الميدان والامتحان. أثبت الكويتيّون أنهم عندما يتحدّثون عن الوحدة والتكاتف والتآزر فإنهم لا يتغنّون بها كشعارات كما حصل في دول أخرى، وأدرك المحتلّ أن شعباً لا ينقلب على قيادته مهما كانت المغريات والتهديدات والترهيبات هو شعب لا ينكسر ولا يعطي أحداً «مكتسباً تاريخياً» شكّل أساس وجود دولته، وهو مكتسب حصّنه بالعهد والميثاق والتوافق بين الحاكم والمحكوم.


اليوم، وبعد 30 عاماً من هذه التجربة المريرة ودروسها الصّعبة، نقف أمام مفترقات مصيريّة وننظر بألم إلى ما آلت إليه أوضاعنا.
الدروس كثيرة، وفي موازاة النجاح في امتحان الوحدة لا بدّ من الاعتراف بنتائج سلبية كثيرة منها مثلاً: الخلل المتراكم في التركيبة السكانية، وسوء الإدارة الذي أدّى إلى تقدّم مؤشّرات الفساد وتراجع مؤشّرات الاقتصاد واستمرار الاعتماد على مصدر واحد للدخل... وظواهر الانقسامات بين بعض أفراد الأسرة وما تنتجه من انعكاسات سياسيّة واجتماعيّة.
وإذا كان خلل التركيبة السكانيّة وسوء الإدارة موضوعين يمكن السيطرة عليهما طال الزمان أو قصر عبر سلطة تمتلك النظافة والرؤية وإرادة التنفيذ، فإن موضوع أبناء الأسرة هو الأخطر. لماذا؟
وحدة الكويتيّين وتلاحمهم مع قيادتهم، يفترضان بالطبيعة وحدة أسرة الحكم وتلاحمها مع الكويتيّين. هذه المعادلة أثبتت وجودها في كل المنعطفات وتم اختبارها في الملمّات والمصاعب كما في الرّخاء والازدهار، وأي خلل في أضلاعها يخلّ بتوازنها مكتملة ويؤدّي إلى معادلات أخرى قد نعرف بداياتها ولا نعرف نهاياتها.
وعندما نتحدّث عن الوحدة سواء بين الكويتيّين أو داخل الأسرة فإنما نتحدّث عن سقف وبناء متكامل تسمح أروقته بكل أنواع الحريات المسؤولة والتعدّدية في وجهات النظر والمواقف، فنحن لسنا في نظام شمولي يملي على الناس طريقة تفكيرهم ويرهبهم بفرض عقائد بعينها وينشر زوّار الفجر لمراقبتها، إنما نتحدّث عن الوحدة في إطار الثّوابت والمسلّمات التي نرى وجوب التذكير بها كي لا نصل إلى ما لا تحمد عقباه.
وعندما نقول إن سقف الحريات مرتفع لدى الكويتيّين بمختلف نخبهم ومشاربهم وتقسيماتهم الاجتماعية والفكرية والسياسيّة، فإن هذا السّقف تحديداً داخل الأسرة الحاكمة يجب أن يخضع لضوابط لا لكونها المثل والمثال كما يفترض نظرياً في مراكز القرار على امتداد العالم، بل لأن الأسرة ككيان قائد عليها النأي بنفسها عن الخوض في الجدالات والمماحكات العامة صوناً لصورتها من التجريح ولمسيرتها من التوقّف في محطّات الخلافات... وما أكثرها في المجتمعات الديموقراطية.
طبعاً، يحقّ لكل فرد من أفراد الأسرة أن تكون لديه رؤيته التطويريّة أو الإصلاحيّة، لكن قنوات إيصالها معروفة وفق الآليات الداخليّة كي تتمّ مناقشتها ويقرّها وليّ الأمر. هذا أمر يعتبر من الشؤون الداخلية للأسرة وله مساراته التعبيريّة وفق قواعد وضوابط. أما أن تصبح هذه الرؤية استعراضاً علنياً يتولّد منه استقطاب سياسي داخلي وولاءات ضيّقة لهذا أو ذاك فهو أمر لم يسهم إلا في زيادة التفتّت ولم يخلق إلا ظواهر مرضيّة داخل الأسرة وداخل المجتمع.
إن هذا الجوّ الانقسامي يستدرج تجميع أنصار وموالين ومستفيدين وانتهازيّين من مختلف المواقع السياسيّة والشعبيّة حول هذا الشيخ أو ذاك، يتمّ ترجمة صداها للأسف الشديد كما نرى، مرّة في مجلس الأمة ومرّة في الجمعيات والهيئات، ومرّة في حروب بالواسطة بين أبناء العمومة، ومرّات ومرّات في وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تترك مبدأً إلا وانتهكته لضرب فلان والدفاع عن فلان مستخدمةً كل الأسلحة المحرّمة دينياً وأخلاقياً واجتماعياً لاستهداف الكرامات والأعراض والذّمم.
هذا الجوّ الانقسامي الداخلي هناك ما هو أخطر منه، والقيادة تعلم هذه النقطة أكثر من غيرها. نقصد فتح الباب للتدخّلات الخارجيّة، وفتح شهيّة دول إقليميّة للاستقطاب الداخلي وإعطاء أمل لجهات كانت فقدت الأمل، استناداً إلى تجربة الغزو، بالتسلّل وبالتالي...التخريب.
كل كويتي يقرأ الأسطر السابقة بعين من يعيش الوضع لا بعين من يتابعها أو يفاجأ بها. حالة مرضيّة انقساميّة لا يجوز إنكارها بدفن الرأس في الرمال. والمنطق يقول إن الحالة الصحيّة لرأس الدولة تستدعي حداً أعلى من الاحترام والتقدير والمسؤوليّة والانضباط ونبذ الصراعات لكن ذلك لم يحصل للأسف الشديد، والمنطق يقول إن على الجميع اليوم الالتفاف حول سمو نائب الأمير الشيخ نواف الأحمد ظِلّ شقيقه صاحب السمو الأمير ورئيس مجلس الأسرة والتسليم له بأمانة التفويض ووضع كل الطاقات والجهود في خدمة إدارته الراهنة للبلاد في هذه الفترة الحرجة... فهل يفعلون؟
إما عودة بعض أبناء الأسرة إلى الأصول والتقاليد والمبادئ واحترام القنوات الداخليّة لمجلس الأسرة عبر طرح الأمور هناك بعيداً من الاستعراضات العلنيّة والاستقطابات، وإما أن تكون نهاية النفق مظلمة والخروج منه أشبه بالدّخول في مرحلة التشتّت والضّياع.
خيار شعب الكويت منذ 400 سنة أن لا بديل لديه عن أسرة الحكم. يبقى أن يستفيق بعض أبناء الأسرة في هذه المرحلة تحديداً فيتوقّفوا عن الإساءة إلى هذا الخيار، وعن تكريس حالة انقسام قد تؤدّي إلى نتائج كارثية لا نرضاها، ومنها إيصال بعض الكويتيّين إلى استحضار مقولة «يحدك على المكروه ما كنت كاره»... ألا هل بلّغت اللهمّ فاشهد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي