No Script

الشعور بالأمان لا تمنحه النصوص بل تطبيقها بعد حسن تفسيرها بما يتناسب والمستحدثات العلمية

أصل البراءة والحرية الشخصية في مواجهة أخذ العينات وتقديم المتهم الأدلة ضد نفسه

u062cu062fu0644 u0642u0627u0646u0648u0646u064a u0628u0634u0623u0646 u0623u062eu0630 u0627u0644u0639u064au0646u0627u062a u0645u0646 u0627u0644u0645u062au0647u0645
جدل قانوني بشأن أخذ العينات من المتهم
تصغير
تكبير
  • بناء الحقيقة في تقارير الاتهام يتطلّب مسالك دقيقة توازن بين حق المجتمع في اقتضاء الحقوق والزجر والعقاب 
  • لأن المتهم الطرف الضعيف في الدعوى ويقف وحيداً في مواجهة سلطة الدولة وجب أن يقرّر له أصل البراءة 
  •  حكم إلغاء قانون البصمة الوراثية قرّر أصلاً دستورياً يتمثّل بالحق في عدم التعرّض للحرية الشخصية 
  • اتباع مبدأ «ليس على المتهم أن يقدّم دليل براءته» يجعل عبء إثبات الاتهام يقع بكامل ثقله على سلطة الاتهام 
  • المتهم لا يدخل طرفاً  في تقديم الأدلة  فلا يجبر على تقديم  عينات للفحص الطبي  أياً كان شكلها والهدف منها

الحرية الشخصية لكل إنسان وحقوقه الإجرائية - على أوسع نطاق - وفق ما قرّره الدستور، تمثل في حقيقتها مركز شعور الإنسان بالأمان، وبُنيت على هذا المطلب الإنساني المُلح والدائم أعظم القواعد الإجرائية في كل بقعة من العالم الفسيح، إن الشعور بالأمان لا تمنحه النصوص بل تطبيقها، بعد حسن تفسيرها بما يتناسب مع المستحدثات العلمية التي يجب أن تكون، عند تطبيقها، منسجمة مع الحقوق الخاصة تحميها وتطورها لا أن تكون أداة للنيل منها وتحجيمها.
كما أن الدفع الدائم بحسن فهم النصوص الإجرائية يستمد طاقته من كرامة الانسان اللا متخاذلة في سبيل الحصول على معاملة تليق بحقوق اكتسبها ولم يفرط بها، وفي سبيل ذلك تقدر القوانين إجراءات جزائية تليق بالحقوق التي نالها الانسان منذ اليوم الأول لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فصارت هذه القواعد الإنسانية العليا قيماً تعكس في حقيقتها طبيعة احترام الحقوق وطبيعة العلاقة المثلى بين حقوق المتهم وحقوق المجتمع في تقديم الجناة للمحاكمة، طلباً في حماية الجماعة من جور أحد أفرادها على الآخر، فتحفظ الحقوق كلها، حق المتهمين باعتبار أن الإجراءات الجزائية ليست عقاباً، وفي حق المجتمع - في معرض دفاعه عن كيانه وديمومته - في اقتضاء الحقوق بالطرق المقربة لروح الدستور والتي تحفظ، من كل الجوانب، عدم الزج بالبريء في قضية لا يستطيع الدفاع بها عن نفسه، وفي معاقبة الجاني بالطريق الذي يحفظ به كيانه وكرامته الإنسانية.
إن بناء الحقيقة في تقارير الاتهام يتطلب أن تسلك جهة الادعاء مسالك دقيقة توازن فيها بين حق المجتمع في اقتضاء الحقوق وفي الزجر والعقاب، وذلك عن طريق تقديم أدلة ثقيلة في ميزان القضاء، ولا يتأتى هذا الثقل إلا بأن تتحلى كل مراحل الدعوى الجزائية بحزمة من الضمانات للطرف الآخر الأضعف في مواجهة مؤسسات المجتمع. ولان المتهم هو الطرف الضعيف في الدعوى الجزائية، حيث يكون وحيدا وفي مواجهة إحدى سلطات الدولة وجب أن تقرر له المُثل العليا أصل البراءة ولأن المتهم يبقى بريئا خلال مراحل الدعوى الجزائية حتى يصدر ضده حكم بالإدانة، لذلك نجد أن أساس الشرعية الإجرائية هو البراءة، إن لم نقل إنها المحور الأساسي الذي تدور حوله الاجراءات الجزائية بشتى صورها وأشكالها، وهو المحور الذي تقوم عليه إجراءات الاتهام، فلا محاكمة صحيحة إذا اعتبر المتهم مذنباً قبل محاكمته،
وحيث تبدأ الحماية الجزائية لحقوق المتهم منذ الوهلة الأولى لبداية تطبيقها من قبل السلطات على الأفراد، وفي المثال المختصر لهذه الحالة ما يسمى في الولايات المتحدة الأميركية بحقوق ميراندا والذي أوجب أن تُتلى حقوق المتهم عليه لحظة القبض عليه، وتذكريه بحقه في الصمت وفي تعيين مدافع له كما يُتلى عليه الاتهام كسبب صريح للقبض عليه.

القضاء الدستوري
«عدم التعرّض للحرية الشخصية»
لم يكن حكم المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 5 أكتوبر 2017، بالطعن المباشر المقام من أحد المواطنين ضد القانون رقم 78 لسنة 2015 في شأن البصمة الوراثية، والذي أثار لغطاً وجدلاً على الصعيدين المحلي والدولي، لم يكن مجرد طعن طويت صفحته ولا مجرد قانون أبطلته المحكمة الدستورية، بل انه حوى في طياته على مبادئ سامية رسختها المحكمة في الضمير العام، فصارت شُعلاً من نور تضيء الطريق لقاعدة أصل البراءة والحرية الشخصية والحق في الخصوصية، ولما كانت أحكام المحكمة الدستورية ملزمة للكافة ولسائر المحاكم كما نص قانون إنشائها في مادته الأولى، فإنه حري بالبيان أن أحكام الدستورية تكشف عن صحيح تطبيق الدستور.
وحيث إنها في حكمها سالف الإشارة والبيان قد قضت بعدم دستورية بعض مواد قانون البصمة الوراثية وبسقوط بقية مواده لارتباطها بالمواد المقضي بعدم دستوريتها وقد جاء بالحكم «كان المشرع بموجب المواد سالفة البيان من قانون البصمة الوراثية رقم ( 78 ) لسنة 2010 قد فرض على جميع المواطنين والمقيمين والزائرين وكل من دخل الأراضي الكويتية، التزامه بإعطاء العينة الحيوية اللازمة لإجراء فحص البصمة الوراثية متى طلب منهم ذلك وخلال الموعد المحدد لكل منهم، وفرض عقوبة على كل من يمتنع منهم عن إعطاء تلك العيّنة عمدة ودون عذر مقبول، وأوجب تسجيل نتائج الفحوصات التي تجري في هذا الشأن، في قاعدة بيانات البصمة الوراثية التي تنشأ بوزارة الداخلية وتخصص لحفظ جميع البصمات الوراثية» ما مؤداه أن تصبح هذه السجلات التي تحوي قاعدة بيانات البصمات الوراثية بمثابة سجلات تكشف أمور الحياة الخاصة لكل من تواجد على الأراضي الكويتية، باعتبار أن البصمة الوراثية لكل إنسان تحوي كل صفاته الشخصية التي تميزه عن غيره وتوضح نسبه وعائلته والأمراض الوراثية فيها، وأسراره الطبية الدفينة، وهو ما يمثل انتهاكاً صارخة للحرية الشخصية التي حرص الدستور على صونها.
كما جاءت النصوص المشار إليها عامة يطبق حكمها على جميع الأشخاص سالفي البيان، ودون رضاهم في شأن ما أمروا به أو حتى صدور موافقة أو إجازة سابقة منهم تتعلق بحق لهم، هو من الحقوق اللصيقة بالشخص بموجب إنسانيته وآدميته، منتهكة القانون حق الفرد في الخصوصية، كما أطلق القانون التحليل دون أن يقصره على إعطاء الحد الأدنى الضروري من المعلومات والذي يكفي لتحقيق الغاية التي صدر من أجلها القانون، ودون أن يبين القانون مالها بعد الوفاة، أو كيفية ووسيلة تصنيف المعلومات المأخوذة من البصمات الوراثية، أو يسبغ الحماية الواجبة على العينات ذاتها، مكتفية بتقرير سريتها في حين أن الأمر مختلف ما بين الحماية والسرية، وهو ما يعيب القانون ويصمه بعدم الدستورية. ولا يغير من ذلك ما قد يسهم فيه ذلك القانون عند تطبيقه من الحفاظ على الأمن والمساعدة في كشف الجرائم وتحديد ذاتية مرتكبيها والتعرف على هوية الجثث المجهولة، إذ ان ممارسة الدولة لحقها في حماية الأمن العام يحده حين ممارسته حق الفرد الدستوري في كفالة حريته الشخصية، بما يقتضيه ذلك من الحفاظ على كرامته واحترام مناطق خصوصيته بعدم امتهانها أو انتهاك أسراره فيها دون مقتضى. وهو ما يتعيّن معه القضاء بعدم دستورية المواد 2 و4 و8 و11 من القانون 78/‏‏ 2010 في شأن البصمة الوراثية.

لا ينسب لساكت قول
«الحق في السكوت»
لا يؤاخذ المتهم على أقواله الكاذبة من قبيل شهادة الزور، ومن ذلك قضاء محكمة النقض المصرية بأن «سكوت المتهم لا يصح أن يتخذ قرينة على ثبوت التهمة ضده أن هذا القضاء يعتبر تطبيقاً للقاعدة الفقهية التي تقضي بأن«لا ينسب لساکت قول».
كما سارت المحاكم الكويتية والنيابة العامة على المبدأ القائل بأن ليس على المتهم أن يقدم دليل براءته، ما يعني على وجه الضرورة أن عبء إثبات الاتهام يقع بكامل ثقله على أكتاف سلطة الاتهام،ويكون ذلك ببيان قائمة بأدلة الثبوت التي تستقل استقلالاً منبت الصلة بشخص المتهم، فلا يجبر المتهم على الكلام، ولا يُرغَّب على قول، ولا يكره على اعتراف، كما سار الفقه القانوني في جميع مناحي القانون على أنه لا يجوز إلزام الخصم على تقديم دليل ضد نفسه، وإن أكدنا على ما قررنا سلفاً من أن التفسير الصحيح للنصوص هو الأداة التي تمنح شعور الأمان لدى الناس كافة، ولما كانت من بين طرق التفسير القانونية ما يسمى بالتفسير من باب أولى، فإن كان كل هذا في شأن السكوت فإنه ومن باب أولى ألا يجبر المتهم - سكت أم تكلم - على تقديم عينات للفحص الطبي أياً كان شكلها والهدف منها، فالمتهم لا يجب أن يدخل طرفاً في تقديم الأدلة فما بالنا وإن كانت هذه الأدلة قد تقدم ضد نفسه دون تصريح منه بالقبول، ولا يحيدنا عن الحق أن قبوله بإجراء أخذ وفحص العينات يعد دليلاً على سلامة هذه الإجراءات وبالتالي لا مجال للمناكفة في صحتها من عدمه، فهذا الإجراء مرتبط بالنظام العام وقد قرّرت المحكمة حسب سالف الإشارة على أنه أخذ العينات دون رضاء في شأن ما أمروا به أو حتى صدور موافقة أو إجازة سابقة منهم تتعلق بحق لهم، هو من الحقوق اللصيقة بالشخص بموجب إنسانيته وآدميته، وفي ذلك اعتداء صريح على حق الفرد في الخصوصية.
فماذا لو رفض المتهم إجراء الفحص وقد يحصل، فقد أثبت التطبيق العملي لمثل تلك المسائل أن جهة التحقيق تحيل المتهم بتكليف أو ندب للإدارة المختصة بأخذ وفحص العينات دون أخذ موافقة صريحة من المتهم قبل قرار الإحالة للفحص وأخذ العينات. ولا يضير هذا ما قد يُدعى من شيوع استعمال إجراء الإحالة للإدارة المختصة بالفحص وإجراء أخذ العينات، فإن شيوع الخطأ لا يعد حُجة في مسائل القانون ولا عبرة بالأعراف الإجرائية متى ما تعارضت مع القانون والدستور وأحكام حقوق الإنسان، وفي شيوع هذا الاستخدام أثر ضار على أصل البراءة الدستوري..وهو أن يظن المتهم أنه ملزم على وجه الجبر واللزوم على تقديم العينات سواء من دمه أو بوله أو حمضه النووي للجهات المعنية، ولكنه يجوز أن يقدم بنفسه دليل براءته في هذا المسلك بأن يقدم تقارير فنية تنفي الاتهام عنه أو تقارير مقابلة للتقرير الفني الذي تحتويه أوراق الدعوى، ولا يلزم في كل الأحوال أن يقدم الإنسان دليلاً على براءته تطبيقا لنص المواد من 30 الى 35 من الدستور الكويتي.

بين الأروقة

? العمل في المحاكم يسير بوتيرة جيدة بعد تطبيق النظام الجديد في الحضور للمحكمة بمواعيد مسبقة، إلا أنه ومن غير المقبول أن يطلب من المحامين حجز موعد لحضور الجلسات، فلماذا يعامل صاحب الدار على أنه غريب؟!
? جمعية المحامين قامت بأعمال جبارة خلال الفترة الماضية، وتلمس أعمالها المحامون، و خصوصاً حاجتهم الفعلية لمركز التقاضي التابع للجمعية، هو نقطة مضيئة في مسيرتها، لكنها تحتاج لاهتمام دائم وتطوير مستمر.
? رئيس قسم جدول الجنح في مجمع محاكم الرقعي يقف وحيداً في إنجاز معاملات الناس. شكراً كبيرة.
? السيد رئيس مجلس إدارة جمعية المحامين الكويتية رسالة من محب... الهون أبرك ما يكون.

إضاءات

تعريف أصل البراءة

عرف العلاّمة محمد سليم العوا أصل البراءة بأن «القاضي وسلطات الدولة كافة يجب عليها أن تعامل المتهم وتنظر إليه، على أساس أنه لم يرتكب الجريمة محل الاتهام، ما لم يثبت عليه ذلك بحكم قضائي غير قابل للطعن بالطريق العادية» كما ذهب الدكتور أحمد فتحي سرور إلى أبعد من ذلك بقليل، لأن يستمر المتهم بالتمتع بهذا الحق إلى صدور حكم قضائي بات.

ممارسات غير دستورية

منذ أن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون البصمة الوراثية، بقيت على أرض الواقع ممارسات إدارية شبيهة إلى حد التطابق مع تلك التي قررت المحكمة عدم دستوريتها، من باب اعتدائها على الحرية الشخصية والحق في الخصوصية، فمازالت إدارة الجنسية تفرض على المتقدمين في بعض ملفات الحصول على الجنسية أن يقدموا تحليلاً للبصمة الوراثية للآباء والأبناء المراد تسجيلهم في السجلات العامة خاصة للمواليد خارج البلاد، وكذلك للمتقدمين لنيل الجنسية الكويتية وكذلك بعض المتهمين في قضايا تزوير الجنسية.
كما لمثل هذه الممارسات شبيه في أخذ العينات من المتهمين، فغالباً ما يتم إحالة المتهمين إلى الإدارة المختصة بأخذ عينات من الدم والبول والحمض النووي لفحصها وذلك لتقديم تقارير فنية تدخل في عداد أدلة الثبوت.

التوصيات الواجبة

يتحتم قبل كل إجراء من قبيل طلب تكليف أو ندب أحد الفنيين الطبيين لسحب أو أخذ عينة من العينات الخاصة بالمتهمين أن يناقش المتهم في هذا الشأن الخاص به، ليكون القرار قراره، في قبول الفحص وما يترتب عليه من أخذ العينات سواء باستخدام الإبر الطبية أو بواسطة غيرها من مسحات الفحص الخاص بالحمض النووي، أو بالاستكتاب، أو أي إجراء يكون فيه المتهم موضع تقديم الدليل على نفسه، هذا في شأن الإجراءات الجزائية للدعوى العمومية، أما ما يخص إدارة الجنسية فإن طلباتها يجب أن تكون منسجمة والدستور ولا يجوز لها كأصل عام أن توقف معاملة المواطنين قبل تقديم الفحص اللازم من الحمض النووي للآباء والأبناء.

تطبيقات عملية على أدلة
يطلب من المتهم تقديمها

- عينات من اللعاب أو من الشعر أو الجلد تمهيداً لفحص الحمض النووي في عدة مسائل، منها الاستدلال الجنائي على الجرائم لمطابقتها مع الآثار المرفوعة من مسرح الجريمة.
- فحص عينات من الدم وهو اسم عام لمجموعة من الفحوصات الممكن إجراؤها من خلال أخذ عينة من دم الجسم، ووضعها في أنبوب اختبار، ومن ثم إجراء اختبارات دقيقة عليها في المختبر، وتستخدم خاصة لقضايا المخدرات والمسكرات.
- فحص عينات بهدف تحليل البول لفحص مختلف مركبات البول، الذي يعتبر أهم إفرازات الجسم الفضلاتية، ويستخدم للمسائل الجنائية في إثبات الحمل السفاح وتعاطي المواد المخدرة.
- الاستكتاب: أن تطلب جهة التحقيق من خبير الخطوط التابع لإدارة الجهة الفنية المختصة باستكتاب المتهم لمضاهاة خطه وتوقيعه في جرائم التزوير أو الشيكات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي