No Script

رأي «الراي» / ... قِصّتُنا مع «الحرير»!

No Image
تصغير
تكبير

اليوم، وبعد أن أحالت الحكومة بصفة الاستعجال إلى المجلس مشروع قانون بإنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية (إقليم الحرير) بصيغته النهائية، أصبح من الواجب وضع النّقاط على الحروف في ما يتعلق بأمور كثيرة رافقت المشروع وستلحق به.
في الصيغة الأولية للقانون الذي أعدّ، وجدنا من موقعنا كسلطة رابعة تنبض في قلب الشأن العام مجموعة ثغرات وملاحظات ومثالب قانونية ووطنية، وكتبنا أن المشروع بصيغته السابقة أشبه بدولة داخل الدولة. ثم أعيد إلى مناطق البحث والدراسة والتعديل وخرج بصيغة مختلفة عما سبق رغم استمرار وجود بعض الثغرات.
أدّينا عملنا بالإضاءة على المشروع القديم، كثير مما قلناه تم الأخذ به بدليل التعديلات الكبيرة التي حصلت، وتبقى الكرة في البرلمان ليظهر ممثلو الأمة مسؤوليتهم التشريعيّة والرقابيّة والوطنيّة ويكملوا تنقية المشروع الجديد من الثغرات الواضحة أو «المتخفيّة» في متون العبارات التي تحمل أكثر من تفسير... ولكن قبل عرض بعض المثالب الموجودة لا بدّ من أن نتوقّف ويتوقّف أهل الكويت عند النهج السيئ الذي يراد له أن يصبح أمراً سائداً لتكميم الأفواه ولضرب الشراكة الوطنية خصوصاً في القضايا المصيريّة الكبرى.
عندما قدّمنا كصحيفة ملاحظاتنا بشكل علمي وقانوني بحت حول إقليم الحرير بتاريخ 10 أبريل 2019 فوجئنا بجهات معلومة ومجهولة تهاجمنا بـ«الشخصي» بدل فتح نقاش مفيد للمشروع وللبلد. توقّعنا مداخلات قانونية وأفكاراً خلاقة لإغناء الفكرة خصوصاً أننا أمام مشروع تطويري عملاق، لكن البداية كانت من وزارة الدفاع التي عمّمت في اليوم التالي للنشر خبراً على حسابها في «تويتر» برفع قضية تتعلّق بحادثة طائرة ومنطاد للإيحاء بأن القراءة الموضوعية التي قمنا بها إنما كانت نتيجة «صراعات شخصيّة» غير موجودة عمليّاً إلا في رؤوس أصحابها.
تبع ذلك، حملة مسعورة من بعض المغرّدين أساءت للمشروع قبل أن تسيء إلى الآخرين بأسلوبها المبتذل الذي يشبه أصحابه... رغم خروج المشروع لاحقاً متضمّناً الكثير من التعديلات التي ذكرناها.
نسوق ذلك لا لكي نقول إننا كنّا على صواب وغيرنا على خطأ، فجميعنا كما قال حضرة صاحب السمو الأمير في قارب واحد. ونحن مؤمنون بكل صراحة أن التغيير والإصلاح والتنمية ومحاربة الفساد وغيرها صعبة التحقّق حتى لو تكاتفت كل الإرادات في الكويت فما بالنا والخلافات بدل أن تكون مصدر غنى للمشروع يراد لها أن تتحوّل إلى انقسامات عاتية؟
نفهم أن يصاب مستفيدون من الخلافات بالسّعار وحمّى السّفاهة، لكننا لا نفهم غياب العقلاء عن تصدّر المشهد في ما يتعلّق بمشروع عملاق مثل إقليم الحرير. هؤلاء كان يجب أن يفتحوا ورشات عمل وطنية إعلامية واقتصادية وسياسية منذ اليوم الأول للفكرة لنقل السجال إلى منطقة البحث العلمي الراقي. وهو ما كان حقيقة في بالنا عندما عملنا على تفنيد المشروع السابق نقطة نقطة حرصاً على تمريره كي يبصر النور وسط توافق وطني كبير.
نعرف بالأسماء، ويعرف الكويتيّون، مصدر الحملات الموجّهة التي شنّت علينا، ونعرف أن الهدف كان كمّ الأفواه عبر الترهيب والتهديد كي نتوقّف عن الخوض في الموضوع ويمرّ المشروع كما يريد البعض. اليوم، أدرك الجميع (باستثناء من في نفوسهم مرض) أنه لا يصحّ إلّا الصّحيح. اعتقدوا أنهم يستقوون بسلطة ومشيخة واعتمدنا على الله ومسؤولياتنا تجاه البلد وأهله.
الجميع بات يعلم أننا في المواضيع الوطنية لا خلاف لدينا مع أحد ومعادلتنا هي الانحياز لأفضل صيغة تخدم الكويت والكويتيّين.
والجميع أيضاً يعلم أن القطاع الخاص هو الأكثر مصلحة في قيام مشاريع تنموية كبيرة.
والجميع يعلم أيضاً وأيضاً، أننا كنّا وما زلنا أول من نادى بضرورة تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد، وكتبنا الافتتاحيات الداعية إلى فتح آفاق خلّاقة أمام الاقتصاد مستفيدين من موقعنا الجغرافي وانفتاحنا السياسي والاجتماعي وتاريخ الكويت التجاري ورؤية صاحب السمو في نقل الديرة إلى مصاف المراكز المالية العالمية، وطرحنا الكثير من الأفكار الداعية إلى الاستفادة من تجارب رائعة مثل سنغافورة والنرويج.
تعديلات كثيرة تمت، وأخرى ما زالت في الطريق إلى... طريق الحرير، بينها على سبيل المثال لا الحصر، العبارات المطّاطة في المادة 9 التي تنص على أنّ المؤسسة تنظّم أحكام القانون والنشاطات من دون الإشارة إلى حظر ما هو غير مسموح به كتجارة الخمور وما شابه. ومنها ما ورد في المادة 49 عن عدم جواز التعارض بين قانون المنطقة الخاص والأحكام الأخرى في الدولة في انتظار تطبيق اللائحة التنفيذيّة التي قد يتأخّر إصدارها أو تصدر بقرار من الوزير.
وهناك عدم خضوع المؤسّسة التي ستدير المنطقة إلى الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة وعدم خضوعها لجهاز المراقبين الماليين. وأيضاً استثناء شرط الشهادة العليا من شروط مجلس الأمناء. أما الفقرة الثالثة من المادة العاشرة فتنصّ على إقامة منطقة عبور تجارية دولية «مستقلّة ومميّزة» من دون تحديد مدى الاستقلالية أو معنى التميّز. إضافة إلى ما تنصّ عليه المادة 37 من إقامة نظام خاص للإدارة الجمركية، والمادة 38 من وضع عقود عمل ونظام تأمينات اجتماعية خاصة بالمنطقة... وفي ذلك تكريس واضح لفكرة «الدولة داخل الدولة».
الأمثلة مُتعدّدة، نسوق بعضها فقط لوضع نواب الأمة اليوم أمام مسؤولياتهم، والمحكّ هنا هو الفرز بين من يمثّل الأمة ومن يمثّل على الأمة. بين المشرع الذي يضع نصب عينيه مصلحة الكويت والكويتيّين وبين من يضع مصلحته الخاصة أولاً. نريدكم أن تعالجوا كل المثالب والثّغرات بما يمليه عليكم قسمكم وتلتزموا بحرفية النصّ:«لا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كلّ أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور». استمعوا إلى أصوات ضمائركم وأصوات النّاس... أما أنكر الأصوات فلا تستحقّ، هي ومن يحرّكها، مُجرّد التفاتة.

«الراي»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي