No Script

صندوق المثلجات يستقطبهم شباباً فيظلون يدفعونه حتى ينال الشيب من رؤوسهم

باعة «البرِّد»... خلف كل عربة حكاية

تصغير
تكبير
  • أبو عطيات: أجرّ العربة منذ 30 عاماً ولم أعرف غيرها مهنة في حياتي 
  • الأسيوطي: مازلت أسدد دين قدومي للكويت... وأبناء بلدي يخففون من وطأة الغربة

عند كل منعطف ودوار، وأمام كل دائرة حكومية، يقف بائع «البرِّد» بعربته التي أصبحت جزءاً منه، يتقي بمظلته سهام شمس حارقة، ليقدم للعابرين ومرتادي المرافق العامة ما يبرد على قلوبهم ويخفف حدة الحر عنها، بينما هو يتقلب بحرارة الشمس التي لا تبرح موجهة سهام أشعتها الحارقة عليه.
باعة عربات المثلجات، مثل كل إنسان، لديهم آلامهم وآمالهم، وإذا كانت لا تظهر عليهم علامات الهموم وأعباء الحياة، فالحقيقة تؤكد أن خلف كل عربة قصة وحكاية، بعضها محزن وبعضها الآخر يتشابه مع الكثير من البشر، ولكنها تبقى حكايات تتلاعب بمشاعر وأحاسيس ذلك البائع، وقد لا ينتبه إلى تأثيراتها من يقف عنده لثوان أو دقائق يأخذ طلبه من قطع الـ«آيس كريم» ثم يمضي.
نرى مئات العربات في كل زاوية من شوارع الكويت يومياً، نتوقف لشراء الماء أو المثلجات، لكن لا تستوقفنا القصص الإنسانية للباعة الذين يقفون وراءها، وهم الذين اضطرهم مُر العيش إلى مهنة يصارعون فيها حرارة الشمس ولهيب أشعتها، لتأمين العيش الكريم لهم، حتى ولو كان الثمن سنوات طوالاً عجافاً من الغربة والفراق.


العم أبو عطيات، واحد من أولئك البائعين الذي قضى عمره خلف العربة، يتحدث بلوعة المغترب عن سيرة 30 عاماً قضاها في الكويت برفقة عربته، التي جاب فيها شوارع الكويت طولاً وعرضاً، صيفاً وشتاء، طلباً للرزق. وعلى الرغم من بلوغه من الكبر عتياً، فمازال يقاوم وهَنَ جسده لجر عربته وتحصيل قوت يومه وعائلته.
يبلغ أبوعطيات 66 عاماً، ولديه 4 بنات، و9 أحفاد، يحكي عنهم بلهفة المشتاق لرؤيتهم قريباً، ويؤكد أنه لم يشهد معظم أحداث حياتهم، وفاته الكثير بسبب زمن الغربة الطويل، والذي نال من قسمات وجهه ورسم خريطته بالتجاعيد التي تروي كل منها حكاية.
يتحدث العم محمد لـ«الراي»، وهو يحب أن يُنادى باسم ابنته الكبرى، «أبو عطيات»، عن مهنته الشاقة البسيطة، فيقول «أعيش في الكويت منذ 30 عاماً، وعائلتي في مصر، لدي 4 بنات وأصبح لدي 9 أحفاد، أراهم مرة كل عام في إجازتي السنوية»، متابعا «لم أحصل على أي شكل من أشكال التعليم، ولم أعرف مهنة غير بيع المثلجات في حياتي».
وبمدة تصل إلى 9 ساعات متواصلة يومياً، يؤكد أبو عطيات أنه «لا يهم إذا كان الجو بارداً أم حاراً، وحتى لو وصلت درجة الحرارة 50 درجة مئوية، فعلي أن أبيع منتجاتي يومياً لأحصل على دخلي»، مبيناً أن دخله يصل في الأيام غير الجيدة إلى 5 دنانير يومياً، وفي الأيام التي يصفها بالجيدة قد يتراوح بين 7 إلى 10 دنانير.
وعدا حوالاته الشهرية لعائلته في مصر، يتحدث عن مصاريف العيش اليومية والتي تثقل الكاهل جميعها، حيث يعيش أبو عطيات في غرفة في السالمية، يدفع إيجارها الشهري 45 ديناراً، يتكفل هو بطعامه وشرابه وثيابه ورصيد هاتفه للتواصل مع الأهل، ويصف الأحوال بـ«المستورة». ولا يعلم متى ستستريح ركابه في بلده بين وجوه وابتسامات عائلته، «لا أستطيع العودة وترك العمل، ولا أعلم إذا كنت سأستطيع أصلاً أن أعود بشكل نهائي، فلن ينفق أحد علي وعلى عائلتي، وهذا الخيار الوحيد حالياً».
قصة أخرى من مئات القصص التي تقف خلف هذه العربات في لهيب الحر، الشاب الذي لم يكمل عامه الأول في الكويت كرم الأسيوطي، يقول «دفعت نحو ألف و700 دينار للوصول إلى هنا، ولم أستطع حتى الآن سداد ديني في مصر، وأعمل ليلا ونهارا لبيع بضاعتي من الماء والمثلجات يومياً لتسديد الدين، وتوفير مصاريف العيش لزوجتي وأمي ولنفسي هنا».
كرم كان قد تزوج للتو، عندما أتته الفرصة للسفر إلى الكويت والعمل فيها، ولم يرزق بأطفال بعد، يبعث بحوالة شهرية لزوجته ووالدته، وينفق على نفسه، «أعيش مع 3 شباب في شقة بميدان حولي، نتقاسم الأجرة والطعام والعشرة، جميعهم أبناء بلدي، ما يخفف من شعوري بالغربة».
ولا ينوي كرم العودة إلى بلده الآن، بأي حال من الأحوال، فهو يؤكد أن فرص العمل هناك صعبة وشبه معدومة، وعمله الآن، بالرغم من مشقته، يشكل مصدر عيشه وعائلته الوحيد، ولا ينوي تغييره إطلاقاً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي