حوار / المدير العام لقوى الأمن الداخلي يتحدث عن الإنجازات و... التحديات
اللواء عثمان لـ «الراي»: الوضعُ الأمني تحت السيطرة واللبنانيون توّاقون لعودة إخوانهم الخليجيين إلى ربوعهم
الاستثمار في الأمن مكّننا من تحقيق الاستقرار
من دون الأمن لا حياة سياسية صحيّة ولا اقتصاد ناجحاً ولا سياحة عامِرة
هَزَمْنا الإرهاب يوم كان على تخومنا ولم نسمح للبركان المتفجّر في المنطقة باختراق ساحتنا
نحن عينٌ لا تنام وملف الإرهاب تحت المراقبة على مدار الساعة ولن يشيح نظرنا عنه
ما من أحد في لبنان لا من الشعب ولا من القادة السياسيين يريد حرباً سبق أن أدركنا مرارتَها وعبثيّتَها
في مكافحةِ الفساد بدأتُ من داخل المؤسَّسة ويدي لن ترتجف بالتوقيع على محاسَبةِ أيّ مُرْتَكِبٍ
لا حصانات سياسية أو طائفية أو مذهبية في عمليةٍ سقفُها القانون وأيّ مُرْتَكِبٍ مصيرُه السجن
لبنان أحيا 65 مهرجانَ فرحٍ العام الماضي
... في لبنان، الذي كان يوماً «دُرّة الشرقيْن»، هجاءٌ على مدار الساعة للسياسة وأهلِها، ولحروبِها الباردة التي لم تَسْتَقِمْ معها حتى التسويات، وكأن لعبةَ «فنّ الممكن» تحوّلت لعنةً لا تُنْتِجُ إلا أحلاماً مستحيلةً في بلادٍ لا تغادر الرقصَ على حافة الهاوية.
وفي لبنان قرْعٌ ليلَ نهارٍ لطبولِ الخطر من انهيار الهيكل المالي - الاقتصادي على رؤوس الجميع، بعدما صارتْ الأرقامُ قنابلَ موقوتة آيلة للانفجار، زَرَعَتْها سياساتٌ قامت على استباحةِ الدولة والاغتيال والتعطيل وتقديم الخارج على الداخل والاستقواء على القانون.
وحده الاستقرارُ الأمني في لبنان يشكّل علامةً مضيئةً تُفاخِر بها البلادُ التي عاندتْ بنجاحٍ الانزلاقَ إلى الحريقِ الكبير من حولِها، والتي تُرْفَعُ لها القبعةُ من الخارجِ المأخوذِ بالقدرةِ الاحترافية لمؤسساتٍ تحلّتْ بالمسؤوليةِ الوطنية في عزّ الانقسام السياسي وتحوّلتْ «العينَ الساهرة».
مدهشةٌ الإنجازاتُ التي تُحَقِّقُها المؤسسةُ الأمنيةُ اللبنانيةُ رغم التحديات الهائلة في بلاد «ما بين الخطريْن»، عدوانية إسرائيل والخراب السوري، وها هي (المؤسسة الأمنية) تواجه بكفاءةٍ عالية، يَشهد لها العالم، الأنماطَ المُعَوْلَمَةَ في الجريمة والإرهاب والمخدّرات وتبييض الأموال والسرقة.
المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في طليعةِ الذين يريدون «إضاءةَ شمعةٍ لا الاكتفاءَ بـ لعْن الظلام». يثابرُ بعنادٍ على تطوير المؤسسة الأمنية - الأمّ وجعْلها أكثر فاعلية وحداثة كـ «شُرْطة مُجْتَمَعِيّة» لا كأداةٍ بوليسية أو مجرّد عصا أمنية تُحَرِّكُها السلطةُ السياسية.
فبعدما أُزيحتْ الوصايةُ السوريةُ عن لبنان إثر «انتفاضةِ الاستقلال» في العام 2005، أَخَذَتْ هذه المؤسسة الأمنَ بيدِها وبصدْرها أيضاً، وها هو اللواء عثمان يَبْني على ما أنجزه أسلافُه (اللواءان أشرف ريفي وإبراهيم بصبوص) لتصبح هذه العَمارة الأمنية صمامَ أمانٍ للوطن ومُواطنيه وضيوفه.
من رئاسة «شعبة المعلومات» الذائعة الصيت في إنجازاتِها الباهرة، انتقل عثمان قبل نحو عامين لإدارة قوى الأمن التي يعود تاريخُ تأسيسِها إلى نحو قرن ونصف القرن، وهي التي تشكّل في مهمّاتها الكثيرة «صلةَ الوصلِ» بين الدولة والمواطنين في البلاد من أٌقصاها إلى أقصاها.
في مكتبه كأنكَ في حضْرة «خليةِ أزمةٍ»... حَرَكَةٌ لا تهدأ من حول الرجل الهادئ، الواثق، القليل الكلام، الذي لا يهوى الاستعراضَ والذي زادتْه المسؤوليةُ تَواضُعاً وصلابة... يعملُ بلا كَلَلٍ وحياتُه أسيرةُ نظامٍ صارمٍ من التحوّط تُمْليه مكانتُه على رأس المؤسسة الأكثر حضوراً في الملفات الأكثر خُطورة.
فمن مكافحة الإرهاب والتجسس والجرائم الجنائية والمخدّرات، وكل عمليات السرقة والسطو والتزوير والتهريب والقرْصنة، وكل أوْجه العمل اليومي مع شرطة السير وحركة المَخافر... انتقلتْ قوى الأمن إلى معركةٍ من نوعٍ آخر لا هوادة فيها، وربما أكثر حساسية وهي مكافحة الفساد، بدءاً من المؤسسة، وصولاً إلى ميادين أخرى وعلى قاعدة «مَن ساواك بنفسه ما ظَلَمَك».
وكعادته، لم يكن اللواء عثمان يرغب بالحديث في القضايا ذات الطابع الأمني «دعوا الأفعال تقول»، ولكن رغبةً منا في عرْض إحاطةٍ بالواقع الأمني في البلاد مع بدء رفْع دولِ مجلس التعاون الخليجي الحظرَ عن سفر مواطنيها إلى بيروت، استجاب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، وقال لـ «الراي»: «الوضعُ الأمني في لبنان مريحٌ وتحت السيطرة، وما من شيء يثير القلق، ونحن في انتظارِ الإخوة الخليجيين وسواهم من الرعايا العرب والأجانب».
في جعبة عثمان الكثير مما يمكن أن يَعْرِضَهُ عن «النجاحاتِ التي تَحَقّقت من خلال الاستثمار في الأمن وفي مقدّمتها الاستقرار الأمني، فمن دون الأمن لا حياة سياسية صحّية ولا اقتصاد ناجحاً ولا سياحة عامِرة ولا ثقة بالاستثمار، فالاستقرار الأمني يشكّل أحد أركان الاستقرار العام في البلاد ولكل أوجه الحياة العامة، وتالياً فإن لبنان الذي أحيا 65 مهرجانَ فرحٍ في ربوعه العام الماضي أصبح أكثر اطمئناناً لصلابةِ أمْنه ولاستضافة المصطافين على الرحب والسعة».
يُفاخِرُ اللواء «الكَتوم»، الذي لم يرغب يوماً بتحويل الإنجازات «بروباغندا» إعلامية، بأن «الاستثمار في الأمن مكّننا من هزيمة الإرهاب يوم كان على تخومنا، ولم نسمح للبركان المتفجّر في المنطقة باختراق ساحتنا، وقد نجحْنا في تفكيك شبكات التجسس، وفي مواجهة شبكات الإرهاب عبر كشْفها في عملياتٍ استباقية والقضاء عليها إلى حد كبير». ورغم أن الإجهازَ على تنظيم «داعش» لن يُنْهي خطر فلوله أو الهاربين، فإن المدير العام لقوى الأمن يُطَمْئن «نحن عين لا تنام وهذا الملف تحت المراقبة على مدار الساعة ولن يشيح نظرنا عنه، فالاهتمام بملفٍ لا يكون على حسابِ آخَر».
ثمة تَرابُط تلقائي بين الاستقراريْن السياسي والأمني في رأي اللواء عثمان الذي اعتبر أن المظلّةَ السياسية في البلاد تزيد من متانةِ الاستقرار الأمني «فلا خلافات جوهرية بين اللبنانيين الذين يديرون اختلافاتهم بحكمةٍ عبر تسوياتٍ وتدوير زوايا. وما من أحد في لبنان، لا من الشعب ولا من القادة السياسيين يريد حرباً. وسبق أن مررْنا بتجربةِ حربٍ وأدْركنا مرارتَها وعبثيّتَها وكم كانت مدمّرةً ومؤلمة... لا أحد يريد تكرارها».
ومَن يدقق في التقارير الأمنية اليومية التي تنشرها وسائل الإعلام في بيروت، يكتشف وبلا عناءٍ المستوى الاحترافي الرفيع الذي بَلَغَتْهُ قوى الأمن، ولا سيما شعبة المعلومات، إذ تكاد لا تمرّ جريمة أو عملية سطو وما شابه إلا ويتمّ اكتشاف مُرْتكبيها وفي غضون ساعات أحياناً. غير أن ثمة مواجهةً تتّخذ شكل الحربِ المفتوحة يوليها اللواء عثمان أهميةً استثنائيةً «إنها الحرب على المخدرات، الاتجار بها وترويجها، كونها الآفة التي من شأنها تدمير المجتمع وتقويضه، وخصوصاً انها تستهدف الناشئة والأجيال الشابة».
وإذ حرص المدير العام لقوى الأمن الداخلي على التأكيد «أن همّنا الأساسي هو تحقيق الأمن لشعبنا وبلدنا قبل أي أحد آخَر»، فإنه قدّم مقاربةً «ما فوق أمنية» في سياق الكلام عن عودة الخليجيين للسياحة والاصطياف والاستثمار في لبنان، عندما تحدّث عن أن «الشعبَ اللبناني، الذي لم تَنَلْ الحروبُ والمصاعبُ من حُبِّه للحياة، مفطورٌ على التفاعُل مع الآخَرين، ومجبولٌ بقيمٍ اجتماعية وثقافية من علاماتِها أنه مُنْفَتِحٌ ومِضْياف».
ولم يبالغ عثمان، إذ قال: «اللبنانيون توّاقون لعودة إخوانهم العرب والخليجيين إلى ربوعهم، ونحن بدورنا نُطَمْئن إلى أن الوضع الأمني مريحٌ وتحت المراقبة»، لافتاً إلى أن التوقّعات تشي بأن موسم الاصطياف سيكون عامراً هذه السنة، ومشيراً إلى «أن مطار رفيق الحريري الدولي جاهزٌ لاستقبال الضيوف، فـ الـ«AUDIT»(زيارات التدقيق) التي تَجْري في شكل دوري تؤكد توافُر معايير السلامة، ولدينا نحن كقوى أمن بين 500 و600 عنصر في المطار يعملون من أجل أن تكون الصورة على أحسن ما يرام».
لم يؤدِ الاهتمامُ بالملفات الأمنية «الساخنة» إلى التراخي حيال ظواهر أصبح تَماديها «يَنْخُرُ عظامَ الدولة»، فاللواء عثمان أَعْلَنَها «ثورةً بيضاء» ضدّ الفساد في اللحظةِ التي يحتاج لبنان ما يشبه «حال طوارئ» لحماية المالية العامة والحؤول دون انهيارٍ تُحَذِّرُ من كوابيسه المؤسساتُ المالية الدولية، وهو قال «بدأتُ من داخل البيت - أي قوى الأمن - وسأمضي في هذا التحدي وفق القوانين، ولن أتوقّف ولن أردّ على هاتفي»، في إشارةٍ إلى إنه لن يسلّم بأي ضغوطٍ ولن يستجيب لأيّ تُدُخُّلات.
لم يفاجأ الذين يعرفون اللواء عثمان بتصميمه على خوضِ مواجهةٍ لن تكون سهلةً ضدّ الفساد لأنها تَجْري في حقلِ ألغامٍ سياسي وطائفي، إلا أن ابن الزعرورية في إقليم الخروب الآتي من صفوف الطبقة الوسطى التي غالباً ما تفْتح الباب أمام العِصاميين وتشكّل عَصَبَ الدولة، قرّر الاتكاء على ما حقّقه من رصيدٍ نوعي في الأمن، وعلى نزاهتِه وتَجَرُّده لخوض تجربةٍ لا يُستهان بها.
... «المؤسسةُ أهمّ من الأشخاص، وأيّ تدخلاتٍ سياسية ستقف على باب المديرية، لن أردّ على هاتفي، ويدي لن ترتجف في التوقيع على محاسبةِ أيّ مُرْتَكِبٍ»، كلامٌ أشبه بـ «أمرِ كلّ يوم»، قاله اللواء عثمان عن عمليةِ التطهير المتواصلة في قوى الأمن «الأقلّ فساداً من المؤسسات الأخرى في الدولة»، معيداً التأكيد وبحزمٍ أن «لا حصانات سياسية أو طائفية أو مذهبية في عمليةٍ سقفُها القانون وأيّ مُرْتَكِبٍ مصيرُه السجن».
وسرعان ما تَدَحْرَجَتْ «كرةُ الثلج» التي انطلقتْ من المؤسسةِ الأمنية في اتجاهاتٍ عدة فبلغتْ قصر العدل، وسط معلوماتٍ عن توقيف العشرات من العسكريين والكتَبة والموظّفين، إضافة إلى ادّعاءٍ على قضاة ووقْف قضاةٍ آخَرين عن العمل في اندفاعةٍ غير مسبوقةٍ لعمليةِ مكافحةِ الفساد، نَجْمُها التحقيقاتُ التي تُجْريها شعبةُ المعلومات.
ثمة مَن يتحدّث عن أن عثمان يتعرّض لضغوطٍ هائلة لوقف المعركة ضدّ الفساد أو رسْم خطوطٍ حمر أمامه، لكنه ما زال على قراره ويقول اللواء عثمان: «الفساد جريمةٌ وقد تكون أكبر جريمة، لأنها اعتداءٌ على الدولة ومالِها وعلى مال المواطنين، ولأنها تشكّل استباحةً للقوانين وتطعن بقِيَمنا»، لافتاً الى «أن البعض ظنّ أنّه بمخالفته القوانين تَكَرّسَتْ له حقوقٌ مكتسبةٌ من دون أن يدرك أن حقّ الدولة لا يضيع»، ومعتبراً «أن لا مناص من العودة الى احترام مؤسساتنا وأحكامها».