تكنولوجيا

دول الخليج والمرحلة الرابعة من خطوات تطوير المدن الذكية

No Image

يشهد النمو السكاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ارتفاعاً كبيراً في معدل نمو السكان على مستوى العالم، بحيث تتعرض المدن والمناطق الحضرية اليوم لضغوطات متزايدة من أجل استيعاب المزيد من السكان وتوفير نمط حياة أكثر ذكاءً بمختلف أوجهه.
ويتطلب ذلك بذل جهود تتعدى توفير السكن الملائم، والاحتياجات الأساسية لسكان المدن التي باتت تعتبر تحصيلاً حاصلاً بالنسبة لهم، وبات من الضروري أن تضع المدن الآخذة بالنمو في الاعتبار الطلب الهائل على المرافق والطرق والمواصلات والخدمات الأخرى خصوصاً الحيوية منها، كالصحة والبنوك، وغيرها من القطاعات الخدمية.
ويجمع الجميع على ضرورة استفادتها القصوى من التكنولوجيا الحديثة لتحسين عملياتها وخدماتها، من خلال وجود بنية تحتية قوية ومتطورة للاتصالات وتقنية المعلومات.


وأشار أحد التقارير التي صدرت إلى أن القيمة الإجمالية، لمشاريع البنية التحتية النشطة في دول مجلس التعاون الخليجي وحدها، وصلت إلى 1.14 تريليون دولار عام 2019.
ومن الضروري خلال هذه المرحلة المهمة، التي يجري فيها التخطيط للبنية التحتية أن تكون هذه الاستثمارات «ذكية» تسهم في المرحلة التالية من بناء العالم الرقمي الأكثر ذكاءً.
ولا شك أن الخطط الطموحة في هذا الإطار كإستراتيجية النقل الذاتي في دبي، والتي تهدف إلى تحويل 25 في المئة من وسائل النقل إلى وسائل نقل من دون سائق بحلول عام 2030، تعتبر إحدى الركائز الأساسية في وضع رؤية مستقبلية واضحة للقطاعين العام والخاص، ورسم ملامح المرحلة المقبلة من المدن الأكثر ذكاءً.
وانطلاقاً من هذه الخطط والرؤى الحكومية، تدخل العديد من المدن في المنطقة، الآن ما نسميه المرحلة الرابعة من تطوير المدينة الذكية، إذ ستعمل العديد من التقنيات الثورية وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي تحديداً، على إبراز العديد من التغييرات التي نراها خلال هذه المرحلة.
وقبل خوض غمار ذلك، علينا أن نعي تماماً بأن نمو المدن الذكية، هو عملية مرحلية يجب أن تجري خطوة بخطوة، وليس عبارة عن ثورة تقوم بين ليلة وضحاها لتثمر عن التغييرات المطلوبة.
ويمكن القول إنه حتى يومنا هذا تميز تطور المدينة الذكية بثلاث مراحل، وفي المرحلة الأولى، مكّنت خدمات الحكومة الإلكترونية الأفراد والمؤسسات، من الوصول إلى المعلومات والخدمات عبر الإنترنت.
وفي المرحلة الثانية، استخدم المواطنون تطبيقات الإنترنت عبر الهاتف النقال، لإنجاز طيف واسع من معاملاتهم الحكومية، وللقيام بالكثير من أنشطتهم الاجتماعية.
أما المرحلة الثالثة فشهدت نقلة نوعية في انتشار إنترنت الأشياء، والذي ستتم إدارته قريباً عبر شبكات الجيل الخامس فائقة السرعة، في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتبر من الدول السباقة على مستوى العالم في هذا المجال.
ويتيح هذا المزج الهائل بين التقنيات، للمدن الوصول إلى صميم المرحلة الرابعة، بحيث يمكن جمع البيانات الضخمة واستخراجها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وتمكن هذه العملية البلديات على سبيل المثال من دمج بياناتها مع البيانات العامة على الإنترنت وبيانات إنترنت الأشياء من ملايين الأجهزة.
ولعل الجيد في الأمر هو أن عملية جمع واستخراج البيانات الضخمة، تساعد مخططي المدن على تجسيد العالم الواقعي، من خلال إنشاء «التوأم الرقمي»، استناداً إلى هذه الكمية الهائلة من المعلومات.
ومع ذلك، فإن التحدي الفوري الذي يواجه تطوير المرحلة الرابعة، هو العلاقة بين أنظمة بيانات المدينة. فقد دأبت المؤسسات على تصميم تطبيقات خاصة بها، بدءاً من كاميرات المراقبة وحتى أنظمة الإضاءة الذكية أو أجهزة استشعار الحركة المرورية، مع وجود ضوابط محددة لهذه الأنظمة يجب أخذها بعين الاعتبار.
ويشكل الذكاء الاصطناعي عاملاً أساسياً في عملية الانتقال إلى المرحلة الرابعة من تطوير المدينة الذكية.
وللمرة الأولى في تاريخ صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات، يمكن اليوم توفير منصة ذكاء واحدة لجميع السيناريوهات، لمجموعة متنوعة من القطاعات المتخصصة والصناعات، ما يمنح الحكومات والمؤسسات القدرة على نشر الذكاء الاصطناعي بسرعة، عبر خدماتها السحابية العامة، والسحابات الإلكترونية الخاصة، وعبر أجهزة إنترنت الأشياء الصناعية، وبصورة مباشرة إلى أجهزة المستهلك.
ويجسد هذا الأمر بالتحديد إستراتيجية عمل «هواوي»، التي دأبت على الالتزام بها، وتميزها عن سائر شركات صناعة تقنية المعلومات والاتصالات، إذ إنها استراتيجية العمل التكاملية ضمن 3 محاور هي الحوسبة السحابية وشبكات الاتصالات الذكية والأجهزة الاستهلاكية.
ويأتي ذلك لتوفير حلول ومنتجات وخدمات شاملة ومتكاملة، ولعل أهم ما في استراتيجية ونهج التكامل، خصوصاً البعد التكاملي مع أشكال الذكاء الاصطناعي المتنوعة التي باتت متوفرة اليوم، أنه يتغلب بكفاءة عالية على التحديات الجدية، التي واجهت مرحلة المدينة الذكية الثالثة جراء استخدام الأنظمة المجزأة والمستقلة.
ويعتبر هذا الدمج خطوة كبيرة بالنسبة لمديري الأنظمة والتقنية، إذ ولت أيام تجميع أنظمة الذكاء الاصطناعي المصممة حسب الطلب، والبرمجيات المتخصصة في مجال أو مجالات محددة، ومن ثم محاولة دفع هذه «المنظومة الذكية» عبر أجهزة إنترنت الأشياء.
ومرة أخرى، يبدو ذلك جلياً من القدرة على جمع واستخراج البيانات الضخمة، إذ أصبحت مجموعة جديدة من قواعد بيانات الذكاء الاصطناعي المحلية المتجانسة، هي البنية التحتية المفضلة للخدمات المالية والاتصالات والحكومة وغيرها من الصناعات في جميع أنحاء العالم.
ومثلما يقوم الجهاز العصبي للشخص بالكشف والتفاعل مع التغيرات في بيئته، يساعد توصيل البنية التحتية للمدينة باستخدام الذكاء الاصطناعي، على فهم ومعالجة واتخاذ قرارات مستنيرة، وبالتالي الارتقاء بحياة السكان من خلال سلاسة وذكاء الخدمات التي تقدم لهم.
ويمكن الآن لهذه «الأنظمة العصبية» للمدينة الذكية، الاستفادة من حزم كاملة لحافظات الذكاء الاصطناعي لجميع السيناريوهات، عبر جميع عناصر النظام البيئي لتقنية المعلومات والاتصالات. وستقوم هذه المنصات في نهاية المطاف بدمج الموارد الرقمية، مثل إنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والمعلومات الجغرافية، ومقاطع الفيديو والاتصالات المتكاملة، لتوفير مشاركة أفضل للبيانات والاستفادة من تحليلها بفاعلية وحسب الطلب، لمزيد من التعاون والتنسيق بين المؤسسات، وضمان ميزة المرونة في عملية التطوير.
وفي الواقع، العلاقة بين المدينة الذكية التي بلغت المرحلة الرابعة، واستخراج البيانات ومعالجتها وتحليلها والاستفادة منها من خلال جميع سيناريوهات الذكاء الاصطناعي، كانت محط تركيز قمة «الذكاء الاصطناعي كل شيء» التي أقيمت في المنطقة للمرة الأولى في ربيع هذا العام.
وبعد تجربتنا في تمكين أكثر من 160 مدينة في أكثر من 40 دولة ومنطقة، من تنفيذ مشاريع المدن الذكية، أصبح من الواضح لنا أن البيانات وإدارتها سرعان ما أصبحت الميزة الرابعة للمدن اليوم.
ولا شك في أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دوراً بارزاً في جعل هذه الميزة بمتناول أصحاب القرار للاستثمار بها على الوجه الأمثل، لصالح الوفاء بمتطلبات الجمهور، والارتقاء لما ينشدونه من مستوى خدمات أكثر تكاملاً وسلاسة وشمولية وذكاء.

* المدير التنفيذي ونائب الرئيس في مجموعة أعمال «هواوي إنتربرايز» لقطاع المشاريع والمؤسسات

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي