No Script

مثقفون بلا حدود

رسالة إلى ولدي... شعر خليفة الوقيان (2 من 2)

No Image
تصغير
تكبير

اللوحة الفنية الثانية: لاحظنا في اللوحة الفنية الأولى كيف كان الشاعر قاسياً على إنجابه لهذا الولد، ناقماً على هذا الكون، ناعتاً مَنْ في الكون بـ( قطعان سائمة ترعى بلا رشد )، وهي البهائم السائرة على غير هدى، هذه الأزمة التي يعاني منها الشعر أراد أن يجعل لها مبرراً، فجاءت اللوحة الفنية الثانية، ليقدم فيها تشخيصاً لسبب حنقه على هذه الدنيا ومَنْ فيها، وكاشفاً لأمراض وآفات المجتمعات - لا سيما - النفاق الاجتماعي؛ فتراه يقول:
بني أنت هنا في غابة رتعت
 بها الضواري، وما للعدل من أحد


فكيف للحمل الآتي بلا سند
 أن يرتعي آمنا في مربض الأسد
في شرعة الغاب يرقى في غوايته
 ذو الناب والمخلب المسنون والعدد
وتستباح حصون كل عدتها
 صرح من الرأي أو درع لمعتقد
والعقل ينقاد من جهل ومن سفه
 للغي، والغي يبقى سيد البلد
بني ألف طريق ها هنا زلق
 يقتاد خطوك للأوحال عن عمد
فاحذر غواية درب ليس يسلكه
 إلا الأذل، سقيم الروح، والجسد
وكن كما كنت أهوى أن أراك، يدا
 تعلو، وروحا تسامى في طريق غد
مكبوتات غاضبة ونفس صارخة على ما آل إليه البلد من الأوضاع المتردية والمزرية، حملها الشاعر بداخله وهنا على وهن؛ وها هو ينفجر ويصرح بها على العلن بقالب شعري ومقطوعة تعدّ من المذهبات، مستخدما الطفل الذي لا يعرف مصيره بعد في هذا العالم المتهور.
حاول الشاعر في لوحته الفنية الثانية أن يلملم أشلاءه، ويرص صفوفه، وينظم أفكاره، ليكشف ما تحت العباءة المظلمة للإسلام السياسي الذي زرع الفتنة، وقلب موازين المجتمع، فدبت الفرقة بين الأخ وأخيه وبين الزوج وزوجته وبين الولد وأبيه، نشروا الحسد وزرعوا الغيرة، وأفشوا الوشاية وأجازوا النميمة، وروّجوا للغيبة، إمعات امتطت المناصب من دون وجه حق، جاءوا بشهادات مضروبة ومزورة ومن أبواب متفرقة لا تعرف لها سنداً ولا قراراً. سطوا على مناصب خلق الله، سرقوا ونهبوا واختلسوا حتى امتلأت كروشهم فشبعت ورتعت. عاثوا فساداً وخرابا، فأين يعيش الشريف مع هؤلاء المتمسحين بالدين دجلاً ونفاقاً؟! ( فكيف للحمل الآتي بلا سند، أن يرتعي آمنا في مربض الأسد)، إنه استفهام إنكاري، نعم كيف يعيش مع هؤلاء شريف عادل نقي صاف طاهر في مأمن، لا يمكن للخير والشر أن يجتمعا في مكان واحد.
هؤلاء الظلاميون من الإسلام السياسي المخادعون المراوغون يبيحون دم المفكرين والمثقفين والعلماء، (وتستباح حصون كل عدتها... صرح من الرأي أو درع لمعتقد)، اعتقاداً منهم بأنهم يشكلون عقبة في طريق تأسيس دولتهم العميقة؛ لذلك استخدم هؤلاء الغزاة وتحت عباءة الإسلام السياسي استخدموا سياسة التمكين للسيطرة على مفاصل الدولة فبات لديهم أشخاص من القاعدة إلى القمة، يتلونون وقتما شاؤوا وكيفما شاؤوا ( في شرعة الغاب يرقى في غوايته... ذو الناب والمخلب المسنون والعدد)، أرادوا أن يكسروا كبرياءنا ويذرونا شظايا متناثرة على الأرض؛ لذلك ينوّه الشاعر خليفة الوقيان في ختام لوحته الفنية الثانية من هذه المقطوعة الشعرية المؤلمة، محذرا ناصحا مولوده الجديد الذي يمثل الأجيال القادمة، يحذر من أنصاف المتعلمين وهم البطانة الفاسدة للسلطة حاشية السوء (والعقل ينقاد من جهل ومن سفه..للغي، والغي يبقى سيد البلد). آه؛ إنه طريق شائك ومتلون، يخشى الشاعر أن ينزلق به الشباب تحت عباءة فكر الإسلام السياسي، ويغيّبون عن المخططات الدموية لهذا الفكر المتشدد والمتحجر، إنه يحذرهم من كثرة طرق الظلم وشبهاتها وخداعها، ويحذرهم باسم هذا المولود يحذرهم من التبعية الفكرية والعيش بذل وهوان مسلوبي الشخصية والإرادة، يوجهون كما توجه القطعان من البهائم، ويطلب منهم باسم هذا المولود الصغير، أن يعتدّوا بأنفسهم، وأن يعيشوا شامخين يأبون الضيم ويرفضون الذل والهوان. هكذا الشاعر يرسم خطوطاً كثيرة متوازية مع بعضها البعض ومتباينة في مضامينها.

* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي