No Script

هل أنت إسلامي أم ليبرالي؟

تصغير
تكبير

انحياز الفرد لأيديولوجيا أو عقيدة سياسية أو فكرية بعينها قد تمليها عليه - غالباً - الأفكار التي تفرضها الطبقة المهيمنة في المجتمع. ويرى كل مذهب فكري أو سياسي أنه «الحقيقة»، التي ينبغي أن يخضع لها الجميع، وينضوي تحت لوائه، سواء كان هذا المذهب من وحي ديني أو وضعي، وكثيراً ما دارت رحى حروب فكرية أو سياسية بدأنا ندرك أبعادها مع اتساع اطلاعنا ومتابعاتنا، وطالما باغتنا سؤال: هل أنت إسلامي أم ليبرالي؟ وهو سؤال يعكس صراعاً فكرياً شرساً، ويشكل محطة أو أكثر في حياة كثيرين.
بالنسبة لي، كان هذا الصراع مبكراً بعض الشيء، حيث عشت فترة الدراسة الجامعية في نقاشات وحوارات حول الفكرين، الإسلامي والليبرالي، وأعتقد أن كثيرين ممن قبلي خاضوا مثل هذه النقاشات، والأمر نفسه حدث مع مَنْ بعدي، لكني لاحظت أن هؤلاء اللاحقين أقل حدة وتعصباً، وأقل احترافاً في تبني أي من فكر هاتين المدرستين لأسباب عدة، أظن أن أهمها هو أن الحاضنة الفكرية لكلتا المدرستين أخذت تضعف، شيئاً فشيئاً، فلم تعد هناك مصلحة لأحد في تقوية طرف على حساب الآخر!
وبناء على هذا السبب «الجوهري»، في رأيي، يمكن القول إن الصراع الفكري الذي أفرز منافسات «انتخابية» ومحاصصات، خصوصا في ثمانينات وتسعينات القرن الفائت، كان بفعل فاعل! وكان نتيجة اللعب على متناقضات هاتين المدرستين، وكان الرابح دائما من هذه الصراعات هو الحكومة.


إن ما حدث من سياسة «فَرِقْ تَسدْ» في الكويت، خلال العقود الثلاثة الماضية بين الإسلاميين والليبراليين، هو مسلسل مكرر في جميع الأنظمة العربية. وفي كتابه «يوم الله» ذكر جيل كيبل كيف شجع النظام الجزائري، في سبعينات القرن العشرين، الفكر الأيديولوجي الذي تشبع من فكر الإخوان المسلمين لمواجهة الطلاب الماركسيين آنذاك، والذي نتج عنه بعد سنوات فوز جبهة الإنقاذ الإسلامي بالانتخابات البلدية في العام 1990، وما نتج عنه من تجميد العملية الديموقراطية واندلاع عنف عارم في الجزائر دام أكثر من عشر سنوات، يعلم الجميع كلفته الباهظة!
إن غالبية الأنظمة العربية «غير الحزبية» اتبعت هذا النهج، وهو اللعب ببيضة «الإسلاميين»، وحجر «الليبراليين»! ولا تختلف الكويت عن هذه الأنظمة كثيرا؛ فقد مارست أيضا هذه اللعبة؛ إذ بدأت الدولة بصراع القومية والتجار، وحين تغلبت القومية على التجار وازدادت شعبيتها وتطورت إلى الليبرالية، دعمت الإسلاميين في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين حتى قضت على تنظيمات التيار الليبرالي. وعندما كبر شأن التيارات الإسلامية بدأنا نرى دعماً غير محدود للقوى الاجتماعية القبلية والطائفية، إلى الدرجة التي بدأت الفرقة تهدد نسيج مجتمعنا وسلمنا الاجتماعي، وهذه المعارك «المصطنعة» بدأت تخمد وتنطفئ أوارها شيئاً فشيئاً استعدادا لطوفان قادم، لا يعلمه أحد إلا الله!
بعد إدانة رموز المعارضة السياسية، لا تجد الحكومة حاجة لتحفيز «خلايا» سياسية لتقف معها ضد معارضة أو قوى سياسية تهدد استقرارها؛ لذلك لم يعد للحراك الحالي طعم أو لون لأسباب عدة، أهمها - في رأيي - أننا ما زلنا نرى أن الأحزاب ليست ضرورة، ونرى أن النقد «المستقل» أكثر مصداقية. والسبب الثاني هو أن نسبة كبيرة من المجتمع ما زالت لا تؤمن بالديموقراطية واختيار الأصلح، بل تؤمن بالقبيلة والطائفة، وهذا فضحته كثير من الاستجوابات الأخيرة، واستمرار تنظيم «الفرعيات» من دون إدانة واحدة منذ تجريمها بالقانون رقم 9 لسنة 1998.
إن لدينا أشباه ليبراليين وأشباه إسلاميين؛ لأن أياً من الفريقين إذا ما ترجمت رؤاه إلى إصلاح سياسي على أرض الواقع، فلن ترقى لتكون منهجاً أو فكراً؛ لذا فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى التخلص ممن هم على هذه الشاكلة... لا نريد إسلامياً مدعوما من الحكومة، ولا ليبرالياًَ مدعوماً من التجار، ليدغدغا مشاعر من تجرهم العاطفة ناحية هذين الفكرين، ومن يرد أن يرفع راية المنهج السياسي فعليه أولاً أن يهيئ التربة المناسبة قبل أن يغرس زرعه ويبدأ الإصلاح؛ لأن الأرض «ديموقراطيا» فاسدة!
كن إسلامياً كما شئت، أو ليبرالياً كما تريد، لكنك سياسياً لن تعني لي شيئاً، ما دامت أفكارك بذوراً لن تنبت في تربتنا وتؤتي ثمارها التي نريد!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي