No Script

أهل الخبرة

الكويتي يبحث في الخارج عن «مسكن العمر»!

No Image
تصغير
تكبير

وجهان متناقضان يلحظهما الباحث في الشأن العقاري حول الأراضي والعقارات السكنية.
فعلى الرغم من الارتباط الوثيق بين الأراضي وبناء العقار، إلا أن الأولى تحقق رخاء وعوائد مجدية وسيولة تشكّل نصف مبيعات العقار الإجمالية بحسب أرقام النصف الأول، فيما لا ينعكس الرخاء في الأراضي على العقارات السكنية، إذ لا يزال 120 ألف طلب إسكاني بالانتظار.
ويعاكس الوجهان بعضهما الأول، فالأول يجسّد معاناة المواطنين «المزمنة» والمتزايدة والتي تتفاقم عاماً بعد آخر، إلى أن وصل عدد منتظري الدور في الرعاية السكنية إلى 120 ألف طلب إسكاني، في حين أن الحكومة هللت، ولا تزال لتوزيع 30 ألف وثيقة لم يجرِ تسلمها حتى الآن، مع وعود حكومية بتسليمها خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ويثير هذا الوجه من وجوه القضايا العقارية الكثير من الاستغراب والحزن في آن معاً، فالحكومة وخلال السنوات الخمس الماضية، أطلقت الكثير من الأفكار لحل الأزمة الإسكانية التي يعانيها المواطنون والمقبلون على الزواج من شباب الكويت دون جدوى، في حين ضجت قاعة عبد الله السالم منذ 2008، ولا تزال بالأفكار والمطالبات النيابية بضرورة وضع حل جذري للمشكلة التي باتت مؤرقة لعموم الشعب الكويتي.
ومن الغريب الدعوة بشكل مستمر ومتزايد لتشجيع القطاع الخاص على العمل والإنجاز في القطاع العقاري وغيره من القطاعات بنصوص وأرقام خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي أكدت مراراً وتكراراً أن القطاع الخاص هو عصب التنمية ومحركها.
من الغريب أن تذكر تلك الخطط التنموية أهمية القطاع الخاص ودوره، في وقت تحتكر فيه الحكومة 95 في المئة من الأراضي، وتخصص 5 في المئة فقط من مساحة الدولة للسكن والاستثمار والتجارة، الأمر الذي جعل الأراضي بالكويت من أغلى المناطق في العالم في دلالة واضحة على أحد صور التناقض التي تعانيها الخطط التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي تبنتها الحكومة.
وهذا الأمر ينقلنا إلى الوجه الثاني من قضية القطاع السكني، فبلغة الأرقام التي لا تكذب، باتت الكويت الأغلى سعراً بين دول المنطقة في أسعار الأراضي السكنية، حيث وصل سعر 500 متر مربع في منطقة الشهداء، على سبيل المثال لا الحصر إلى نحو 660 ألف دينار، وهو ما يعني أن سعر متر المربع الواحد 1320 ديناراً، فيما تراوح سعر 400 متر مربع في منطقة أبو فطيرة بين 227 ألف دينار و260 ألفاً، وهي المنطقة الأدنى سعراً على مستوى البلاد.
كما تثير قضية غلاء الأسعار أزمات كبيرة تعيشها الأسر الكويتية، وكذلك الاقتصاد في مجمله، فالأسر الكويتية تعاني من ظاهرة النصب والغش العقاري بسبب اتجاه الكثير لشراء عقارات خارجية تأخذ في طريقها الغالي والنفيس، وتقضي على أحلام المواطنين في الحصول على مسكن ملائم ولو خارج الدولة، فسعر الألف متر مربع من الأرض في الكويت يصل إلى 1.5 مليون دينار، فيما يبلغ سعر المساحة نفسها في دولة الإمارات 600 ألف، وفي مصر 200 ألف دينار.
هذا الواقع «المضحك - المبكي» دفع الكويتي للبحث خارج الوطن عن «مسكن العمر» وكذلك عن مشروع تجاري يدر عليه عائداً جيداً، وهو ما يجعل أصحاب «الكاش» يهرعون تلقائياً للخارج بحثاً عن فرص أفضل بعيداً عن الأزمة الإسكانية المتفاقمة والخانقة بالديرة.
وينعكس غلاء الأسعار على أداء المبيعات العقارية التي لا يحكمها سوى قانون العرض والطلب بعيداً عن جدوى الفرص المطروحة، أو القدرة على استثمارها بشكل مجدٍ، وبعائد يعزّز مدخرات الأفراد، وبالتالي فإن تحديد سعر الأرض يخضع لعامل واحد فقط هو قانون العرض والطلب دون سواه، أو لنقل إن هذا القانون هو المهيمن في تحديد تلك الأسعار.
من وجهة نظري المتواضعة، فإن الأرقام الواردة عن مبيعات العقار بالنصف الأول مبالغ فيها، ولا تعبر عن الأسعار الحقيقية للعقار، خصوصاً السكني منه، والذي شكّلت نسبته 42 في المئة من إجمالي المبيعات بالفترة المذكورة، فقد بلغ إجمالي مبيعات العقار السكني 792 مليون دينار، فيما بلغت قيمة تداولات العقار التجاري 300 مليون دينار، أي أن الفارق في القيمة بين القطاعين شاسع جداً، وهو أمر يشير إلى أحد احتمالين: الأول يتعلق بتضخم الأسعار في القطاع السكني، وهو الأقرب إلى الصواب، فيما يشير الاحتمال الثاني إلى تراجع النشاط في القطاع التجاري رغم التصريحات البرّاقة من مسؤولين حكوميين حول انتعاش الحركة الاقتصادية، وهو احتمال لا يبدو صحيحاً وفق قواعد العرض والطلب.
نعم «العقار يمرض ولا يموت» وهو من بين أهم القطاعات التي تحقق عوائد استثمارية مجدية، بل لا أبالغ أنه الأكثر أماناً والأقل مخاطرة في ظل التحديات الجيوسياسية التي تمر بها دول المنطقة في الآونة الأخيرة، لكنه ومع كل هذا الأمان المتزايد لا يزال عقارنا السكني يعاني وجهين متناقضين متنافرين، عنوانهما الاستثمار الآمن، والتضخم المفتعل، وبين الوجهين يقف المواطن حائراً منتظراً في الحصول على «بيت العمر» سنوات مديدة دون جدوى.

* باحث في الشأن العقاري

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي