أقرب إلى صفر... نسبة تحّول هذه السياسة إلى حقيقة
ديموقراطيو أميركا بين «تصفير العلاقات» و«علاقات فعالة مع شركائنا الخليجيين»
للولايات المتحدة مصلحة في مساعدة شركائنا بمواجهة التهديدات الأمنية
واشنطن ستعمل على دعم التحديث السياسي والاقتصادي
من غير المألوف أن يرد ذكر دول الخليج في البيان الانتخابي لأي من الحزبين، الجمهوري أو الديموقراطي. والبيان يقدم عادة رؤية الحزب للحكم، وتتم مناقشته وإقراره في المؤتمر الذي ينعقد مرة كل أربع سنوات لإعلان اسم مرشح الحزب للرئاسة.
في العام 2016، لم يرد ذكر دول الخليج في بيان الجمهوريين، وورد عرضياً في بيان الديموقراطيين، وكان ذلك من باب مواصلة التنسيق مع الخليج لإلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» المتطرف والإرهاب عموماً. لكن هذا العام، كان لافتاً أن مسودة البيان الانتخابي للحزب الديموقراطي دعت الى «تصفير» العلاقات «مع شركائنا الخليجيين».
وتحت خانة «الشرق الأوسط»، ورد في مسودة الديموقراطيين أنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة بحاجة لـ«تصفير علاقاتنا مع شركائنا الخليجيين، من أجل دفع مصالحنا وقيمنا قدماً بطريقة أفضل».
وجاء في البيان أن «للولايات المتحدة مصلحة في مساعدة شركائنا في مواجهة التهديدات الأمنية» الحقيقية التي تتعرض لها، مضيفاً أنه في حال فوز المرشح الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن بالرئاسة، فإن واشنطن ستعمل على دعم «التحديث السياسي والاقتصادي»، وعلى تشجيع «الجهود المبذولة للحد من التوترات» الإقليمية.
لكن «تصفير العلاقات» لا يمنع الديموقراطيين من الدعوة «لإقامة علاقات فعالة مع الخليج»، إذ من شأن هذه العلاقات أن «تساعدنا على إعادة ربط العراق بجيرانه، وحماية استقراره، وأمنه وسيادته»، في تناقض صار يسم السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً في عهدة الديموقراطيين، الذين يطالبون دول العالم - بانتقائية - بتنفيذ إصلاحات تعجب واشنطن، لكنهم يطلبون في الوقت نفسه واقعية في العلاقات الإقليمية والدولية لا تتوافق مع الدعوة الأميركية للإصلاحات.
مثلاً، لا يمانع الديموقراطيون بإقامة علاقات جيدة مع النظام في إيران، لأن في ذلك مصلحة أميركية، حسب اعتقادهم، مع أن مثل هذه العلاقات تتعارض مع كل دعوات واشنطن للانفتاح السياسي والاصلاحات الحكومية في عموم دول العالم.
البيانات الحزبية الانتخابية في الولايات المتحدة، ليست ملزمة للرؤساء أو لأعضاء الكونغرس، وهي بيانات قلّما التزمها الحزب أو ممثلوه في الدولة. وغالباً ما تكون وسيلة لبناء تحالفات داخل الحزب وتحفيز القاعدة الحزبية ودفعها للاقتراع بكثافة، وذلك من خلال تضمين البيان الانتخابي عبارات تمثل طموحات هذا الفصيل أو ذاك الجناح.
في كتابة بيان الديموقراطيين الانتخابي هذا العام، طغى جناح المرشح السابق السناتور بيرني ساندرز، الذي يرى نفسه قائداً لموجة شعبية أو ثورة، لا حركة انتخابية محدودة. وجناح ساندرز، على قلة عدده، اذ بالكاد يتجاوز مؤيدوه ربع عدد الأعضاء الديموقراطيين، إلا انه الأعلى صوتاً والأكثر حضوراً ومشاركة.
بايدن، الذي يتمتع بدعم أكثر من ثلثي الحزب، والذي يتفوق في استطلاعات الرأي على ترامب بشكل غير مسبوق في انتخابات الرئاسة، يعتقد أنه يحتاج لحماسة قاعدة ساندرز يوم الانتخابات، وهو ما دفع نائب الرئيس السابق الى القيام بمجهود استثنائي لمراضاة ساندرز وخطب وده.
ساندرز، ورغم الهزيمة التي تعرض لها في الانتخابات التمهيدية الحزبية أمام بايدن، لم يتنازل عن ترشيحه حتى مرور وقت طويل، والى أن مارس كبار قادة الحزب، وفي طليعتهم الرئيس السابق باراك أوباما، ضغوطاً كبيرة عليه لإعلان انسحابه واحترامه خيار القاعدة الحزبية، وإعلان التزامه دعم بايدن في انتخابات الثالث من نوفمبر المقبل.
وفي إطار جهوده خطب ود ساندرز، أبدى بايدن مرونة في تعامله مع مطالب السناتور الثوري داخل الحزب، بل أنه تبنى معظمها لعلمه أن التوصيات الحزبية غير ملزمة ولا قيمة سياسية كبيرة لها.
ساندرز، بدوره، سعى لمساومة على انسحابه مقابل تبني الحزب عدداً من مطالبه وسياساته، فوافق بايدن، وعقد فريقا الرجلين لقاءات مكثفة أصدرا على أثرها سلسلة من «مذكرات التفاهم»، تضمنت إقامة لجان مشتركة لمتابعة تنفيذ السياسات التي يتم تدبيجها في برامج مفصّلة، شملت تحديد سياسات الحزب الديموقراطي في مواضيع البيئة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والسياسات الداخلية.
على أن سياسة وحيدة لم تدخل في حيز المساومات بين بايدن وساندرز، وهي السياسة الخارجية. حتى أن وزير الخارجية السابق المحسوب على بايدن، جون كيري، ترأس لجنة البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري. ولرفض بايدن المساومة مع ساندرز في شؤون السياسة الخارجية أسباب متعددة، أولها أن نائب الرئيس السابق أقدم بكثير من ساندرز في هذه السياسة، فقد ترأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ لسنوات طويلة، وكان اختيار أوباما له مبنياً، الى حد كبير، على خبرته في السياسة الخارجية.
ثم إن مستشاري بايدن للشؤون الخارجية، من أمثال وكيل وزارة الخارجية السابق بيل بيرنز وزميله جايك سوليفان، هما من تيار «الوسطيين» في السياسة الخارجية، لا تيار «أقصى اليسار» مثل ساندرز ومستشاريه في السياسة الخارجية، عضو الكونغرس رو خانا والناشط مات داس.
من يقرأ بيان الحزب الديموقراطي حول السياسة الخارجية ويرى إقحام «حلفائنا الخليجيين» فيه، يخال نفسه يستمع لخطابات ساندرز وتصريحات مستشاريه. أما من يعرف واقع السياسة الخارجية ويعرف بايدن، يدرك أن الأخير من أصدقاء الخليج، وأنه يتحلى بواقعية ومعرفة، وأن سياسة «تصفير العلاقات» هي سياسة نسبة تحولها الى حقيقة أقرب الى صفر!