سياسة أميركا الخارجية تخيف الحلفاء أكثر من الخصوم
أطلقت تصريحات الرئيس الأميركي في اليابان، «رصاصة الرحمة» على واحدة من اكثر السياسيات الخارجية ارتباكاً في تاريخ الولايات المتحدة، بعد مخالفة دونالد ترامب، شينزو آبي رئيس حكومة اقرب حليف آسيوي لاميركا، باستخفافه بتجارب كوريا الشمالية الصاروخية، واعتقاده انه سيتوصل حتماً الى تسوية مع بيونغ يانغ، حتى لو بدت تسوية على حساب اليابان وأمنها.
وكما مع حليفته اليابان، كذلك اثار ترامب مخاوف حلفائه الآخرين حول العالم، وفي طليعتهم في الخليج، حيث تتغير المواقف الاميركية تجاه النظام الايراني بعدد الدقائق، وبعدد تصريحات المسؤولين الاميركيين، الذي يغرّد كل منهم على ليلاه.
سياسة ترامب الخارجية هي اصلاً من صنع مستشاره للأمن القومي، حتى قبل ان ينضم الاخير إلى الادارة، اذ سبق لجون بولتون ان عمل كمحلل للسياسة الخارجية متعاقد مع قناة «فوكس» اليمينية، التي يتابعها ترامب بشكل متواصل، ويتبنى غالب ما يسمعه عبر أثيرها.
وبعد اشهر من التخبط، عيّن ترامب، بولتون مستشاره للأمن القومي. والمعروف ان للمستشار علاقة شخصية خاصة مع الرئيس، وانه كان على اتصال مباشر ومستمر معه حتى قبل ان يدخل البيت الابيض. ولأن بولتون من الصقور، راح يرسم سياسة مبنية على التلويح باستخدام القوة العسكرية الكبيرة في الضغط على اعداء اميركا، وفي الدفاع عن حلفائها. هكذا، رسم سياسة متشددة، مدعومة بعضلات العسكر، ضد كل من كوريا الشمالية وايران، ملوحا بعمل عسكري في حال إمعان أي من هذين البلدين، او كل منهما، في تطوير اسلحة نووية.
حول إيران، وعد وزير الخارجية مايك بومبيو بزيادة الضغط عليها، وبمناصرة الايرانيين ممن ينتفضون ضد نظامهم، ويطالبون بحريتهم، ويدفعون نحو الحرية.
وبعد وصول الاساطيل والقاذفات الاستراتيجية إلى الخليج، وتصاعد امكانية المواجهة العسكرية مع ايران، بدا وكأن ادارة ترامب، بقيادة الثنائي بولتون - بومبيو، تدير سياسة خارجية متماسكة تضغط على الخصوم وتحمي الحلفاء. لكن شهر عسل السياسة الخارجية انتهى بمجرد ان علّق ترامب على موضوع ايران، والمواضيع الاخرى، ككوريا الشمالية، فتمسك باعتقاده ان التسوية مع بيونغ يانغ حتمية، واطلق تصريحاً قال فيه انه لا ينوي تغيير النظام الايراني، بل هو يرغب في الحوار.
هكذا، تنبهت طهران الى ان استعراض القوة الذي يقدمه بولتون وبومبيو، هو استعراض فحسب، وان ما يصبو اليه ترامب في سياسته الخارجية هو المجد الشخصي، اي ان يقف الى جانب مسؤولين ايرانيين، على غراره وقوفه الى جانب زعيم كوريا الشمالية، ومصافحته، امام عدسات الاعلاميين. ثم يتباهى بأنه نجح في «صناعة التاريخ»، كونه اول رئيس اميركي يتفاوض وجها لوجه مع الكوريين الشماليين منذ الحرب في الخمسينات. ومثل في كوريا الشمالية، كذلك في ايران، يسعى ترامب الى استعراض اعلامي، ربما يجمعه في صورة مصافحة مع نظيره الايراني حسن روحاني، او حتى مع المرشد الاعلى علي خامنئي.
المشكلة الوحيدة للايرانيين، الذين صاروا يعتقدون انهم في موقع قوة في مواجهة سياسة خارجية اميركية ضعيفة ومفككة، تكمن في العقوبات القاسية والموجعة لايران واقتصادها. لهذا السبب، يعتقد عدد من المسؤولين الاميركيين ان الايرانيين سيتحاورون مع ترامب، ولكنهم سيعملون على الافادة سياسيا - الى اقصى حد - من الاخذ والرد الذي يسبق اي تسوية.
ومن كوريا الشمالية وإيران، الى المنامة، حيث يعقد صهر الرئيس وكبير مستشاريه جاريد كوشنر مؤتمر «صفقة القرن» المخصصة للسلام العربي - الاسرائيلي، وهو مؤتمر بلا جدول اعمال مفهوم، ولا اهداف محددة، ولا لائحة مشاركين متفق عليها، على غرار «الصفقة» نفسها، والتي ما انفك صاحبها كوشنر يؤجل في الاعلان عنها منذ قرابة عام، وسط تكتم مستمر منه ومن افراد فريقه.
وكان مبعوث السلام جيسون غرينبلات عقد امام يهود اميركيين، في نيويورك، لقاء غير معلن ومغلق، شرح لهم الصفقة. وحضر اللقاء ابراهام سيلفرستاين، الذي كتب بعد ذلك في مجلة «فورورد» انه، لأن المجالس بالامانات ولا يمكنه الافصاح عن اي تفاصيل، الا انه يعتقد ان «صفقة العصر» غير عادلة ومنحازة للاسرائيليين على حساب الفلسطينيين.
وكتب انه «بينما اعلن ترامب عن نيته التوصل الى اتفاقية نهائية تكون انعكاسا حقيقيا لغروره، الا ان لدى الفريق الذي شكله من كوشنر وغرينبلات و(السفير الاميركي لدى اسرائيل ديفيد) فريدمان»، خطة مختلفة.
وختم الكاتب، متوجها الى اليهود الاميركيين: «اذا كنتم تعتقدون ان حل الدولتين اساسي حتى تبقى اسرائيل آمنة وديموقراطية، اقترح ان تبتعدوا عن هؤلاء الناس، وان تأملوا ان يرحلوا مع حلول العام 2021».
هي سياسة خارجية متناقضة، متبدلة، ومرتبكة، هدفها ارضاء غرور ترامب وسعيه لتصوير نفسه على انه نجح في كل ما فشل فيه اسلافه من الرؤساء، وواقعها انها قاصرة، وتحدّ من النفوذ الاميركي، وتخيف الحلفاء اكثر منها الخصوم.