ترامب يضع الولايات المتحدة في مرحلة فقدان توازن
- بومبيو يرفض طلب شهادة موظفين بالخارجية
- ترامب طلب مساعدة أستراليا لضرب مصداقية تحقيق مولر
- لجان التحقيق النيابية تأمر جولياني بتسليمها وثائق
- بايدن ونجله يلعبان الغولف مع مسؤول أوكراني
من يعتقد أن أميركا مرتبكة في الشرق الأوسط، وأنها تستعد للخروج منه، ما عليه إلا النظر إلى تطورات الأحداث داخل الولايات المتحدة ليتأكد أن التخبط الأميركي ليس مرتبطاً بالسياسة الخارجية، ولا بالشرق الأوسط، بل بالأزمة التي تعيشها البلاد منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مطلع العام 2017، غالباً بسبب انعدام كامل في خبرة الرئيس الأميركي في أي موضوع من المواضيع، السياسية أو الثقافية، أو حتى المالية، التي يفترض أنها إحدى نقاط قوته.
لا كفاءة ترامب في كل شيء تقريباً تظهر الرئيس الأميركي على حقيقته: شخص مولود وفي فمه ملعقة ذهب، أمضى عمره يبذّر ثروة والده الطائلة، ويعلن إفلاسه اكثر من مرة، ويعيش حياة تتراوح بين شخصية الرجل اللعوب مع النساء، وشخصية رجل الجريمة المنظمة (المافيا). هذه الشخصية هي التي جاء بها ترامب الى الحكم، الذي راح يستخدم قدرات الحكم لمكافأة الازلام والمخلصين، وفي الوقت نفسه، لمعاقبة المعارضين، وذلك بشكل فاضح يتعارض مع معظم القوانين الأميركية، ومع الأعراف والتقاليد السياسية التي درجت عليها الحياة السياسية في واشنطن.
الجمهوريون، على أنواعهم، يسكتون على ترامب وأسلوب حياته وحكمه، لاعتقادهم أنه يحقق له أهدافهم السياسية. التحالف الديني الانجيلي المسيحي المحافظ، على سبيل المثال، يؤيد ترامب بقوة، على الرغم من أن ترامب يتعارض وكل الافكار المسيحية التي يؤمنون ويبشرون بها. فالقصص عن مغامرات ترامب الجنسية، وغيابه عن المشهد الديني وعدم تردده الى الكنيسة بشكل منتظم، هي من الجوانب التي تجعل التحالف المسيحي يعارض وجود شخص مثل ترامب في الحكم. لكن ترامب يعطي اليمين المسيحي أموراً تجعلهم يقايضون غضبهم على لا مسيحيته بسكوتهم عنه ودعمهم له، فهو يعين قضاة الى المحكمة الفيديرالية العليا على ذوقهم، ويتبنى سياسات تعجبهم، مثل معارضته للاجهاض.
جمهوريون آخرون يسكتون على ترامب، رغم معارضتهم لسياسته الخارجية ولتجاوزه القوانين الداخلية، لأنهم يفيدون من تأييده لمشاريعهم القاضية بنسف القوانين، التي تحد من عمل بعض القطاعات، مثل النفط وتنقيبه، ويؤيدون تخفيضه للضرائب على الشركات، وغيرها من السياسات التي تفيد كبار المتمولين ممن يتبرعون بشكل دوري لتمويل حملات الانتخابات للجمهوريين.
لكن ترامب مشكلة، حتى بالنسبة للجمهوريين، لانعدام كفاءته وسطحية معرفته بكل شيء تقريباً، خصوصا بأساليب الحكم، اذ هو لا يرى مشكلة في ان تتدخل روسيا في الانتخابات الاميركية، بل يبدو انه ابلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم قام الاخير بزيارته في البيت الابيض قبل عامين ونصف العام، انه لا يمانع تدخل موسكو انتخابياً، لان اميركا نفسها تتدخل في انتخابات الدول حول العالم.
ولأن ترامب لا يدرك اهمية القوانين، فهو يعتقد انه يمكنه استخدام وزارة العدل للدفاع شخصياً عنه ضد أي تحقيقات قد تطوله، مثل تحقيق مولر الذي اثبت تدخل موسكو في انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2016. كذلك يعتقد ترامب انه يمكنه استخدام وزارة العدل لمطاردة منافسيه السياسيين، والطلب الى حكومات اجنبية مساعدته في ذلك، ومساعدته في العثور على ما يدين، او حتى فبركة ما من شأنه ان يدين، خصومه السياسيين في الداخل.
ولمعرفة الطاقم العامل في البيت الابيض بفداحة التجاوزات السياسية التي يرتكبها ترامب اثناء محادثاته مع زعماء العالم، عمد الى اخفاء نصوص المكالمات الهاتفية ونصوص الاجتماعات على خادم الكتروني (سيرفر) - غير المخصص لهذا النوع من الارشفة - بل على «سيرفر» مخصص للمعلومات الفائقة السرية التي لا يمكن إلا للرئيس ولافراد وكالات الاستخبارات الاطلاع عليها، لأن هؤلاء يتمتعون بتراخيص أمنية تخولهم الاطلاع على كل ما هو سري. هكذا، اخفى الفريق الرئاسي عدداً من نصوص محادثات ترامب الهاتفية مع زعماء العالم على «سيرفر» الاستخبارات، التي وجدت نفسها فجأة أمام معلومات تؤكد اختراق الرئيس لعدد كبير من ابسط القوانين الاميركية الناظمة لصلاحيات سيد البيت الأبيض.
هكذا، قام كادر في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) باستخدام قناة مخصصة بين الوكالات الفيديرالية والكونغرس، ذات الغالبية الديموقراطية، للفت نظر الكونغرس حول التجاوزات الرئاسية، وهي تجاوزات تدين ترامب وتفتح باب خلعه. والتجاوز الرئاسي جاء على شكل طلب ترامب الى نظيره الاوكراني فلودومير زيلينسكي باسدائه «خدمة» وفتح تحقيقات بحق نجل نائب الرئيس السابق، ومنافس ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، جو بايدن.
وفي المكالمة نفسها، ربط ترامب بين تلبية اوكرانيا الطلب، والمساعدات العسكرية الى كييف البالغة قيمتها 400 مليون دولار. كما طلب الرئيس الأميركي من الاوكرانيين التعاون مع محاميه الشخصي رودي جولياني ووزير العدل وليام بار، وهو طلب يدينه ويدينهما، اذ لا صلاحية لمحامي شخصي ان يتدخل في شؤون الحكومة، ولا صلاحية لرئيس اميركا في التدخل في المسار القضائي وعمل بار.
في المقابل، أظهرت صور لشبكة «فوكس نيوز»، جو بايدن، وابنه هانتر، يلعبان الغولف مع ديفون آرتشر الذي عمل في مجلس إدارة شركة الغاز الطبيعي الأوكرانية «بوريسما».
وشكل الاتصال حجر زاوية لبدء الكونغرس الديموقراطي عملية خلع ترامب، وبدأت اللجان النيابية تحقيقاتها، التي كان أولها الفرض على جولياني تسليم كل وثائقه واتصالاته في موضوع اوكرانيا الى الكونغرس، تحت طائلة معاقبته وسجنه في حال عرقلته مسار التحقيق.
وبعد اسبوع على الفضيحة الهاتفية، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن ترامب اجرى مكالمة مشابهة مع رئيس الحكومة الاسترالية سكوت موريسون، طلب فيها مساعدة كانبيرا في اعادة فتح ملفات يعتقد ان من شأنها ان تنتقص من تحقيق مولر وبيانه الختامي.
وفي حين، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن وزير الخارجية، كان بين الحاضرين لدى إجراء ترامب اتصالا مع زيلينسكي، رفض مايك بومبيو طلب لجنة الشؤون الخارجية شهادة موظفين في الخارجية في نطاق التحقيق.
ووسط انهمار الفضائح على رأسه، يبدو ان الرئيس الاميركي احسّ بفداحة الموقف، فأطلق تهديدات مفادها بأن حرباً اهلية ستندلع في حال عزله. وسبق لترامب ان هدد بانهيار الاسواق المالية في حال تم خلعه، في وقت يبدو ان ما يساهم في تأزيم مشاكله، الخارجية والداخلية، هي شخصية الرئيس نفسه، النرجسية، والمترددة، والمتقلبة، والحاقدة على الخصوم، والتي قلّما تدرك الفارق بين الصح والخطأ.
وفي وسط ارتباك ترامب وخوفه، يبدو ان نفراً من مستشاريه أوعزوا اليه بضرورة اقراره عقوبات على روسيا لدرء الشبهات واتهامات الكثيرين، خصوصا الديموقراطيين، لناحية ان الرئيس الاميركي يقوم بما يمليه عليه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لان الاخير يمسك على ترامب فضائح، أما على شكل ديون مالية، أو ملفات ابتزاز اخرى، فاعلنت وزارتا الخارجية والخزانة الاميركيتين، للمرة الاولى منذ تسلم ترامب الرئاسة، فرض عقوبات على سبع شخصيات مقربة من بوتين بتهمة تدخل موسكو في انتخابات 2016 و2018.
... ترامب شغل أميركا والعالم، وادى الى فقدان توازن اميركي، داخلي وخارجي، والى غرق البلاد في ازمات دستورية وقانونية لا سابق لها، وهو في الغالب سيبقي الولايات المتحدة على حالها، على الأقل حتى خروجه من البيت الابيض، خلعاً او بانتهاء مدته.