No Script

رأي «الراي» / رسالة إلى صباح الخالد

No Image
تصغير
تكبير

رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد المحترم.
تحية طيبة ملؤها الاحترام والأمل والثقة والتمني بطريق مفروش بوضوح الرؤية وعدالة المسير وصلابة الشخصية وقوة الإرادة. نعرف أنّ ما من طريق في الشأن العام يخلو من الأشواك والمطبّات لكننا نعرف أيضاً أن الحكمة، كل الحكمة، تكمن في قراءة التجارب بعين البصير والاستفادة من دروسها بعزم الخبير.
ومن هنا نبدأ، كي لا نطيل.
لقد اختاركم صاحب السمو أمير البلاد لترؤّس الحكومة وأنت القادم من تاريخ وطني ووظيفي تدرّجت فيه كما يُقال خطوة تلو أخرى. تاريخ ديبلوماسي وأمني ووزاري، تاركاً في كل مكان غادرته بصمة إنجاز واستقرار تتفاوت درجاتها... ومع ذلك فحسن السيرة والنقاء الإداري والسمعة الطيبة لا تكفي لمواجهة ما أنت مُقبلٌ عليه.
لقد اختاركم بعد كلمة سامية جدّد فيها الأولويات وأهمها سيادة دولة القانون والمؤسسات والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام ومحاربة الفساد وصيانة الأمن والاستقرار... وكلّها معالم خريطة طريقكم المقبلة.
وبما أن الدين النصيحة، وبما أن كل مواطن كويتي شريك في الهموم والتطلّعات والآمال بأداء مُميّز ومستقبل أفضل، وبما أن حديثنا عن التجارب هو عنوان الرسالة ومقدمتها ومضمونها وخاتمتها، نتشارك معكم في الآتي:
أولاً، أن يكون اختيار الوزراء مبنياً على الكفاءة والخبرة لا على الثقة. وأن يكون التشكيل بعيداً عن المحاصصة التي تعوّدنا عليها لإرضاء أقطاب من «فوق» وتيارات سياسية من «تحت»، وأن يكون الوزير رجل دولة لا مجرد موظف. خلّاقاً لا بصام. أن يعرض خطة عمل ويحدّد جداول زمنية لتطبيقها ثم يقف بجرأة ويقول إنه أنجز ولا يخشى أيّ مساءلة سوى مخافة الله وراحة الضمير وصوت الناس، أو يقول إن التدخلات السياسة مثلاً أكبر منه وإن الفساد الذي يحاربه يتغذى من جهات لم يكن يتوقعها وإن العقبات تَحولُ دون إكمال مهمته. سئِم الكويتيون الاستماع إلى أسطوانة «الإنجاز» المشروخة التي تطبّل لوزير منذ لحظة تسلّمه مهمته ثم تهاجمه في منتصف ولايته ثم تمرغ سمعته بالأرض لحظة خروجه من الحكومة.
ثانياً، التجارب علّمتكم، (ولا يخفى عليك أنت بالتحديد)، أن هناك مجاميع مختلفة تتكوّر في لحظات لتشكّل ما اصطلح على تسميته «بطانة الرئيس». ونحن ما تعودنا إلا الصراحة في مخاطبة المسؤول. هؤلاء أحاطوا بمن قبلك وطرحوا أنفسهم منفتحين سياسياً وأنهم قادرون على لعب أدوار في تسويق سياسات الرئيس إعلامياً وشعبياً وأنهم الحليف والعضيد والسند، فنالهم من الحظوة الشيء الكثير وعيّنوا رجالهم في الوزارات والإدارات وحصلوا على أكثر من ذلك في الشأن اللا سياسي... ثم كانوا أول من طعن الرئيس في ظهره، وأول من قفز من المركب عند اهتزازه، وأول من نقل البندقية من كتف إلى أخرى لحظة ظنّوا أن المعادلات تغيّرت.
إن تكرار التجربة بالنسبة إليكم يعني تكرار المسار والمصير تماثلاً بمن سبقكم.
النقطة الثالثة، هي أن الأشهر المقبلة ستكون صعبة وحسّاسة وخطرة ومفصلية في السياسة الداخلية الكويتية، وهي تحتاج إلى انطلاق يشبه السير بين الألغام نظراً إلى جملة استحقاقات داخلية وخارجية. وفي ضوء الأداء سيتحدّد مسار النجاح وبالتالي استمراركم أو تعثّركم لا قدّر الله. وهنا سنتحدث عن العلاقة مع مجلس الأمة، فدور انعقاده سينتهي بعد أشهر وهي فترة تعوّد الكويتيون فيها على التصعيد خصوصاً أن النظام الانتخابي عندنا فردي لا يسمح بوجود تكتلات سياسية كبيرة، لذلك ستواجه ربما هجمات غير مسبوقة من النواب هي أقرب إلى المصالح الانتخابية الخاصة منها إلى المصالح الوطنية العامة، وهنا تفترض التجربة ألا تدخل سوق الصفقات والمساومات كما كان يحصل سابقاً، وألا تحكم ردود الفعل حماية المناصب أو اتقاء الشرور، بل إلزام الوزراء جميعاً بالثبات على نهج «لا تبوق ولا تخاف»، فأيّ تراجع عن هذا النهج لن يرضي نائباً أو وزيراً بل سيفتح الباب واسعاً أمام ما يُعرف بـ«شهيّة التصعيد في نهاية دور الانعقاد».
النقطة الرابعة (وما أكثر النقاط لكننا نحاول الاختصار) هي تحوّل الحكومة من رأسها إلى أصغر منصب فيها أسيرة ما نسمّيه «فوبيا التواصل الاجتماعي». لم يعد جائزاً أن تستخدم هذه الوسائل أسلحة للشيوخ والوزراء ضد بعضهم البعض ولا أن تتحوّل تجارة لترويج بضاعة الوزراء ولا أن تصبح فزّاعة ترعب الحكومة بحيث تستنفر كلها للرد على تغريدة أو «سناب» أو «إنستغرام»... وخلافه.
وعلى رغم تحذير صاحب السمو المتواصل من تحوّل هذه الوسائل إلى معاول هدم كونها صارت «متاريس» لجهات معروفة تتلطّى خلفها وتطلق كل أنواع الفتن، إلا أن الكويتيين وحتى هذه الساعة ما زالوا يعيشون أسوأ مراحل تدني الخطاب وتصاعد لغة الانقسامات الداخلية فيما شهية التدخلات الخارجية لا تخفى على أحد. ولا يفوتكم، سمو الرئيس مع الأسف أن من يحرّك غالبية هذه الحسابات هم بعض «الجهّال» والسّفهاء من أبناء الأسرة، لا بل عودة سريعة إلى تحقيقات النيابة مع أصحاب حسابات متورّطين موقوفين تظهر أن «علتنا باطنية».
أعدْ الخطاب الإعلامي الحكومي إلى اتزانه واستجبْ للرغبة السامية في تقنين الفوضى وتشريع تنظيم هذا الحقل الكبير.
النقطة الخامسة، هي أن أهل الكويت لا يحتاجون وسيطاً بينهم وبين رئيس الحكومة. أنت بحكم عملك لم تكن قادراً على الجمع بين التحرّك الخارجي الذي نجحت في تلبية متطلباته والانغماس في الشأن الداخلي الذي نجحت في تلافي «نيرانه» الصديقة والعدوّة. لكن اليوم فالأمر مختلف، والاطلاع على هموم الكويتيين وآمالهم وحاجاتهم لا يتم عبر تقارير الأجهزة ولا عبر تغريدات ولا عبر رسائل النواب ولا عبر تمنيات التيارات السياسية. التواصل مع الكويتيين يجب أن يكون مباشرة من خلال لقائهم في دواوينهم وفتح القلوب والأبواب لهم. وصدقاً صدقاً صدقاً، هذه هي الطريق الأقصر لوضع الإصبع على الجرح وتبيان الوقائع وتكوين أرضية أولويات تكون مدخلاً للتحرّك في الاتجاه الصحيح.
وفّقكم الله.

 

«الراي»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي