No Script

رأي «الراي» / هل الحكومة متواطئة؟

No Image
تصغير
تكبير

قبل أن ندخل في صلب الموضوع، نقف عند مشاعر أهل الكويت الذين اعتبروا صباح الأمس من أحلى الصباحات، وهم يرون صاحب السمو الأمير مداوماً في مكتبه ومتابعاً لنشاطه المعتاد بعد الوعكة الصحية البسيطة التي ألمّت به.
كان يمكن أن يمرّ الموضوع مرور الكرام ويكون صباح العودة كمثل غيره، فكل إنسان معرض لوعكات وهذه سنّة الحياة، إنما عندما يجتمع الحقد مع الغباء لدى بعض الموتورين و«المستعجلين» والوصوليّين وذوي احقاد تاريخية وتتفبرك «شرائط الإشاعات» تكون النتيجة مزيداً من التفاف الكويتيين حول رمزهم ووالدهم وقائدهم.
ومن «أحلى الصباحات» إلى «أسوأ المعالجات»... ندخل مباشرة إلى صلب الموضوع. كتبنا مراراً وحذّرنا - كما فعل غيرنا - من خطورة تراخي الحكومة في تطبيق القوانين المتعلّقة بإساءات الإعلام الإلكتروني من جهة ومن مخاطر عدم إقرار قانون جديد لضرب ظاهرة الحسابات الوهميّة والمواقع المُقنَّعة من جهة أخرى.
صارت الكويت حقلاً مفتوحاً على كل أنواع الإساءات للأشخاص والكرامات والتعرض للذّمم وحتى للأعراض، بل صارت مسرحا للصراعات الاقليمية والأجندات الخارجية، والحكومة لا تسمع لا ترى لا تتكلّم. وكلما ازداد تحذيرنا كسلطة رابعة من خطورة هذا الانفلات ازداد «تطنيش» الحكومة أو خرج بيان خجول ببعض العبارات على لسان «مصدر» يندّد بهذه الحسابات... من باب حفظ ماء الوجه أمام أهل الكويت.
بعض من في الحكومة كان يبرّر بأن تطبيق القانون بحزم أو إيجاد قانون جديد للتعامل مع الحسابات الوهمية وإساءاتها أمر قد يضرب صورة الحريات والديموقراطية في الكويت، وكنا نرد بأمرين:
أولاً، الكويت ليست أكثر ديموقراطية من بريطانيا والولايات المتحدة والسويد وسويسرا التي تعاملت بالقانون مع هذه الظاهرة فحفظت حرية التعبير من جهة ومنعت الإساءة للناس وكراماتها من جهة أخرى.
وثانياً، إن الحكومة لا يحق لها أن تزايد على السلطة الرابعة في هذا المجال، فنحن المحاربون في ميدان الحريات ولسنا مراقبين، وجوهر وجودنا قائم على حصد المزيد منها وتعميق الديموقراطية وتاريخنا يشهد. لكن الحرية لا تستقيم من دون مسؤولية، والمسؤولية يرسم خطوطها القانون. افتح حساباً باسمك وسجّل موقعك ورخّصه من وزارة الإعلام واكتب ما تريد تماماً مثلما تفعل الصحف وكتّابها، فإن أسأت أو اعتبر أحدهم أنك أسأت له يفصل القضاء بينكما ويحدّد ما إذا كان ما قلته حرية تعبير أو هو تجاوز للقانون... وأين الانتقاص من الحريات في ذلك؟
استمر تقصير الحكومة واستمرت مبرّراتها الواهية، ويعرف كثير من أهل الكويت أن هذه المبررات إذا تكرّرت تشبه التواطؤ أو الشراكة غير المباشرة، فعدد من الوزراء يدعم حسابات على مواقع التواصل بحجة الترويج لعمله وما يسميه «إنجازات» ولا يريد إغضاب إعلاميين في صحف معينة لديهم حسابات وهمية يستخدمونها لتحقيق مصالح مادية، وبعض الوزراء يدعم حسابات لضرب خصومه سواء من داخل الحكومة أو من خارجها، ولا بأس من تكرار أن وزراء – شيوخ امتهنوا رعاية شبكة كبيرة من الحسابات لـ«حسابات» تتعلّق بضرب أبناء العمومة وتكريس مواقعهم في السلطة.
والأسوأ، أن بعض من في السلطة من كبار مسؤولين أو وزراء، يتحجّجون دائماً عندما يُسألون عن التلكؤ في وضع حد لهذه الظاهرة بأن دورة المعالجة قانونياً ودستورياً طويلة نسبياً، وأن البيروقراطية «تذبحنا» وأن التمهل ضروري لعدم تشويه صورة مناخ الحريات، ثم عندما يتعلق الأمر بقضايا قانونية غير إعلامية تمسّ شخوصهم تراهم يتحرّكون بسرعة البرق ويعالجون كل المواضيع القانونية والقضائية بهمّة عالية ويلاحقون المسيئين لشخوصهم وشخوص ذويهم داخلياً وخارجياً... أو يلفلفون الأمور في حدودها الدنيا كي لا تؤثّر على سمعتهم وصورتهم.
استمر تقصير الحكومة واستمرت مبرراتها الواهية، لا بل إن بعض الوزراء حين سُئلوا عن الحملة المضادة للحسابات الوهمية من قبل أرباب السلطة الرابعة حاولوا الإيحاء بأن من يهاجم هذه الحسابات إنما «متضرّر شخصياً» لاستمرار تهربهم من الإقدام والمبادرة... واليوم، ومع استمرار التراخي الرسمي وصل الأمر إلى صاحب الأمر، إلى رمز البلاد ورئيس كل السلطات ووالد الجميع.
تراخي الحكومة أوصلنا إلى هنا. تقاعس الحكومة وسّع حقل الكويت للتجارب المسيئة بالذخيرة الإلكترونية الحيّة. تقصير الحكومة جعل الذباب الإلكتروني يتكاثر والجيوش الإلكترونية تتصارع بلا ضوابط منتهكة بعباراتها الذّمم والكرامات والأعراض... وأخيراً التطاول على رمز البلاد وبثّ إشاعات وفبركة أخبار من شأنها تهديد الأمن والاستقرار.
دولة تملك كل هذه الإمكانات ألا تستطيع أن تواجه هذه الحرب القذرة إلا بالتبريرات والحجج الواهية؟ دولة مثل الكويت ألا تستطيع الاستفادة من تكنولوجيا الحماية والرصد الموجودة في الدول المتقدمة؟ دولة مثل الكويت تستطيع حجب المواقع التي تحتوي على موادّ جنسية وأخرى متعلقة بالإرهاب والتطرف ولا تستطيع التعامل مع حساب وهمي؟
مرة أخرى وأخيرة نقول للحكومة، إما أن تفعّلوا القانون الحالي وتتقدّموا بقانون جديد لمعالجة ظاهرة الحسابات الوهمية، وإما أن التقصير بنكهة التواطؤ (إذا استمر) هو تشجيع على الإساءة للكويت وأهلها ورموزها بعدما اجتاح إهمالكم كل الخطوط الحمر.

«الراي»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي