دراستان ترسمان صورة قاتمة حول الاقتصاد والمستقبل السياسي والاجتماعي
انهيار سورية الاقتصادي يدفع روسيا للبحث في مرحلة «ما بعد الأسد»
- انهيار الليرة يعكس انهيار الأسس الاقتصادية لسورية
رسمت دراستان صادرتان عن مركزي أبحاث، صورة قاتمة حول الاقتصاد السوري ومستقبل البلاد السياسي والاجتماعي، غالبا بسبب بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه، وهو ما يؤدي إلى استمرار العقوبات الأميركية والأوروبية على دمشق، وتاليا حرمانها من أي فرص لإعادة الإعمار أو استعادة نشاطها الاقتصادي المطلوب لعودة السوريين إلى بلداتهم وعودة حياتهم إلى طبيعتها.
وأشارت الدراستان إلى اعتماد الأسد في بقائه كلياً على روسيا وإيران، لا ديبلوماسياً وعسكرياً فحسب، بل مالياً كذلك، وهو ما فتح الباب لموسكو لتوقيع عقود استولت فيها على ربع عائدات الطاقة السورية، وفازت بعقد إيجار ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً، فيما تسعى إيران للاستيلاء على مرفأ اللاذقية، وهو ما يعني أن حلفاء الأسد لا يدعمونه مجاناً، بل مقابل تقويض سيادته وقدراته المالية والاقتصادية. مع ذلك، لم تتمكن روسيا ولا إيران من إنقاذ الأسد من ورطته الاقتصادية، إذ أنه «لا يمكن للميت أن يحمل ميتاً»، حسب تعبير أحد التجّار الذين تحدّث معهم معدو إحدى الدراستين.
الدراسة الأولى صدرت عن معهد تشاتهام هاوس البريطاني المرموق، وأشارت إلى وصول الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار، الذي صار يساوي 692 ليرة. وكان سعر الدولار 50 ليرة قبل العام 2011. ويشير معد الدراسة، الباحث زكي محشي، إلى أن انهيار الليرة ليس مؤشراً إلى أزمة مالية موقتة، بل «يعكس انهيار الأسس الاقتصادية لسورية».
ويشير محشي إلى انه مع بداية العام الماضي، بلغت تقديرات إجمالي الأضرار الناجمة عن الحرب السورية 428 مليار دولار، وهو ما يوازي ستة أضعاف الناتج المحلي في أيام ذروته في 2010. الناتج المحلي خسر 65 في المئة من قيمته في الفترة نفسها، فيما تراجعت الصادرات من 12 مليار دولار قبل الحرب، إلى 700 مليون، العام الماضي.
«قدمت إيران قروضا بقيمة 6 مليارات دولار ليستورد (الأسد) الطاقة وحاجيات أخرى من الجمهورية الإسلامية... فضلا عن مليوني برميل نفط يومياً (وهو ما مجموعه 16 ملياراً على مدى سنوات الصراع الثمانية»، حسب الدراسة، التي توقعت أن تسوء الأمور أكثر في حال بدأت الولايات المتحدة بالعمل بـ«قانون قيصر»، الذي يفرض عقوبات قاسية على المسؤولين عن التعذيب والقتل في السجون السورية، ما من شأنه أن يحرم دمشق من نحو 5 ملايين دولار يحولها يومياً، المغتربون السوريون.
الدراسة الثانية صدرت عن فريق «سينابس سورية»، بتمويل أوروبي، وجاء فيها أن «جلّ ما يفعله حلفاء سورية الاقتصاديين هو أنهم يفاقمون الخلل الهيكلي» للاقتصاد، «فموسكو وطهران عنصران لا غنى عنهما لإبقاء الاقتصاد السوري واقفا على قدميه، وذلك من خلال شحنات الوقود والقمح».
ولأن هذه الدول تتحايل على العقوبات الغربية، راحت المنتجات الروسية والإيرانية الرخيصة تغزو الأسواق السورية.
لكن موسكو وطهران تتطلعان إلى تعويض ما ينفقانه في سورية عن طريق وضع أيديهم على حصص مما تبقى من ثرواتها، حسب الدراسة، في عملية ترقى إلى رهن مستقبل البلاد الاقتصادي، بدليل تزايد نفوذ روسيا في ثروات سورية من الطاقة.
صحيح أن الأسد تغلب على غالبية معارضيه عسكرياً، باستثناء مناطق في شرق الفرات ومحافظة ادلب، إلا أن دولته شبه تلاشت، بحسب دراسة «سينابس سورية» التي أشارت إلى أن «الحكومة متهاوية، مفلسة، لا تمارس من أشكال الحكم إلا أكثره سطحية، وهي تلجأ إلى تمويل نفسها بطرق تدفع البلد نحو الهاوية».
وفي الولايات المتحدة، تشير مصادر الإدارة الأميركية إلى أن روسيا تبدو وكأنها تعبت من تكاليف دعم الأسد، وأنها تسعى «للإفادة من استثماراتها في سورية، ما دفعها للضغط على الأسد للتراجع عن عرقلته مشاركة معارضيه في اللجنة الدستورية»، التي ترعاها الأمم المتحدة لكتابة دستور جديد، وإجراء استفتاء وانتخابات رئاسية.
وتتابع المصادر أن موسكو أدركت استحالة رفع العقوبات الغربية مع بقاء الأسد، ولذا هي تسعى لاستبداله بموالٍ آخر لها، بهدف الإفراج عن الأموال الغربية، ما يطلق عجلة النمو الاقتصادي المتوقع مع إعادة الإعمار، ويفيد الشركات الروسية، في وقت حصلت موسكو على ما تريده من سورية استراتيجياً بسيطرتها على مرافق أساسية، وإقامتها قواعد عسكرية ستدوم حتى ما بعد رحيل الأسد.