No Script

حق التراجع

No Image
تصغير
تكبير

في خضم المواقف الإنسانية وفى لحظات التفكير العميق تبرز لنا (لمحات) إيمانية تعيد للعقل مكانته وتضبط مسارات انفعالاته ويزداد تبصره في ما هو قائم عليه ومن تلك الافكار التي يود كل منا أن يحملها معه حق (التراجع) عن كلمة خاطئة، قد كتبها أو نطقها واكتشف سلبياتها، وعن سلوك قام بتكبيره أو تصغيره أو تهميشه أو عن علاقة تسرع في إنهائها، أو عن تعامل رفض استمراره أو عن غضب صدر منه أو انحراف انجرف عليه... وأنهك سمعته، وكم تمنى أن يكون له حق التراجع ومحوه من سجلاته التاريخية والزمنية لدى الآخرين!
إن وجود (التراجع) في لوحة الحاسب الآلي يمنح (الكاتب) ثقة بقدرته على الطباعة السريعة، واستخدام الخطوط الجميلة المتاحة، فهو يحق له الاختيار والتراجع واختيار البديل بكل سهولة، لأنه لا يترك أثراً، ويمكن (الإلغاء) بضغطة زر!
فهل للإنسان حق إلغاء ماضيه وأفعاله وكلماته وعباراته وسلوكه، كم منّا من تمنى أن يعيد سجل حياته ليدقق في ما وصل إليه، كم منا من أراد التغيير ولم يسعفه الوقت، كم منا لو رجع إلى الماضي لقتل تلك الأفكار التي جعلته في مستواه الحالي، كم منا من يريد أن يغيّر مهنته ووظيفته وتخصصه، ويريد استكمال أعماله التي غيرها نتيجة اختيارات خاطئة، كم منا من يريد أن يعيد مسارات حياته، ويتراجع عن إقدامه على تلك الأفعال، كم منا من يريد أن يمحو من ذاكرته افعالا ندم عليها او لم يستمع لنصيحة او ينهي علاقة او ينخرط في جماعة او يبتعد عن صديق او يؤجّل زواجا، أن يبدأ من جديد الآن، إلا أن الصورة الذهنية تراوده لتجبره على استمرار نهجه، كم منا يريد أن يبقى بعيداً عن الواقع إلا أنه يعيش في أعماق الحدث، كم منّا من ندم على فعل... وكان بإمكانه أن يحقق بديله، و من يريد أن يصبح ظاهراً فاصبح باطناً، كم منا من يشتاق إلى تصحيح الخطأ الذي ارتكبه والعودة إلى الوضع السابق.


كم كنت غبياً عندما رفضت العمل معه.
كم كنت متسرعاً في الموافقة على السفر.
كم كنت نادماً على قيامي بهذا الفعل الإجرامي بحق نفسي.
كم كنت صغيراً في تفكيري عندما أعلنت انفصالي عنه.
كم كنت تافهاً عندما خسرت أصدقائي.
كم كنت خاسراً عندما اتخذت (فلاناً) خليلاً.
كم كنت جاهلاً في قراراتي واختياراتي.
كم كنت متكاسلاً عندما لم اقتنص الفرصة.
كم تمنيت أن يكون لي حق (التراجع) وإلغاء أخطائي ومحوها من ذاكرتي وتاريخي، والبدء مجدداً في حياتي من جديد من أي مرحلة أريدها.
إن هذه الأمنيات لن تجدي نفعاً لأننا لا نملك حق التراجع، حيث إن الحياه تسير دائماً وأبداً إلى الأمام إلى المستقبل إلى نتائج القرارات التي تم اتخاذها، إنها الحياة التي تسير معك لتحقق ما تريده أنت، وتكشف لك أن ما تم اختياره كفكرة ثم عمل أصبح الآن واقعاً، كنتيجة، فأصبحت الآن تملك حق الاختيار، لكنك لا تملك حق التراجع والتصحيح عن تلك الاختيارات، التي تريد الآن تغييرها، لأنها أصبحت من الماضي، وسجلت في سجلات الماضي، الذي لا تملكه أنت الآن.
لو كنت أملك حق التراجع الزمنى لغيرت عاداتي وطباعي، ولفعلت الكثير من أجل تجريد ذاتي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي