رداً على تعقيب الدويهيس على محاضرتها «نشأة الكويت وتطورها»
ميمونة الصباح: لم أبخس العوازم حقهم
بقلم أ.د. ميمونة خليفة الصباح*
تحت عنوان «نشأة الكويت وتطورها» كانت محاضرة د. ميمونة الصباح وذلك في «مركز تنمية المجتمع» في منطقة اليرموك في مناسبة الاحتفالات بذكرى العيد الوطني وذكرى تحرير الكويت من العدوان الغاشم للنظام العراقي البائد.
وقد وردنا من السيد أحمد حمود الدويهيس تعقيب على تلك المحاضرة نشر في صفحة اراء، في الثاني عشر من هذا الشهر، وعلى هذا التعقيب وردنا تعقيب من الدكتورة ميمونة الصباح ومن خلال ذلك كله نأمل في اثراء النقاش حول جانب مهم في تاريخ الكويت.
وهذا نص الرد:
لقد شاب مقالة الاستاذ احمد حمود الدويهيس كثبر من اللبس والخطأ بالنسبة لمحاضرتي لذا وجب علي كباحثة مختصة بتاريخ الكويت الرد، وتصحيح بعض هذا اللبس والمعلومات التاريخية على النحو التالي:
أولا: لم اقل ان العتوب الذين كانوا بزعامة آل صباح وآل خليفة والجلاهمة اول من سكن الكويت، وانما ذكرت ان قسما من قبيلة العوازم كان موجودا من قبل وصول العتوب، وقبل ان يتكون الكيان السياسي الذي اسسه العتوب، وهم مجموعة من العشائر ينتمون في اغلبهم الى قبيلة عنزة العربية الكبرى التي تنتمي اليها اسرتا آل صباح وآل خليفة واسر اخرى، الى جانب بعض القبائل الاخرى مثل الهواجر الذين ينتمي اليهم الجلاهمة، ومنهم عائلتا النصف والمضف وغيرهم من العوائل الكويتية.
فالمقصود هنا هو تأسيس الكيان السياسي، وليس من سكن هذه الارض الطيبة قبل تكوين الكيان السياسي، لذا لم اورد تفصيلا عن العوازم في المحاضرة.
وإلزاما مني بالمسؤولية والامانة التاريخية فقد حرصت على عدم اغفال وجود قسم من العوازم في الكويت قبل وصول العتوب الذين اسسوا المشيخة او الامارة ككيان قائم، فكان ان افردت مقالة خاصة بعنوان «العوازم» استقروا في الكويت قبل تأسيس الكيان السياسي، نشرت في جرية «الوطن» بتاريخ 7 مارس 2010م اوضحت فيها انه لما كانت المحاضرة تختص بتاريخ تأسيس الكيان السياسي لامارة الكويت، وتولي آل صباح الحكم فيها، والتي نمت وتطورت تطورا سريعا، واصبحت دولة مستقلة ناهضة بعمل وجهد وتضحيات اهلها جميعا حاكما ومحكوما.
واكدت في المقالة ان لا احد ينكر ان قسما من قببيلة العوازم كان موجودا في الكويت قبل وصول العتوب اليها، حيث استقروا على شواطئها وامتهنوا مهنة صيد السمك حين ابت الصحراء القاحلة ان تمنحهم فرص الحياة، ويعترض الاستاذ احمد حمود الدويهيس، على كوني اشرت الى امتهان العوازم هذه المهنة، واقول له ان العمل شرف في اي مهنة شريفة، وان هذه المهنة امتهنها كثير من المستوطنين الجدد (العتوب) الذين اتجهوا للبحر وامتهنوا المهن البحرية لتعويض ما أبت بيئتهم الصحراوية ان تنعم عليهم بفرص الحياة الكريمة، ويكفي ان نقول للاستاذ احمد انه في وقت لاحق كانت شهادات اصحاب (الحضور) من العوازم هي التي اكدت تبعية الجزر للكويت كما سيأتي ادناه.
ومع تكوين الكيان الكويتي وتطوره السريع، اشتغل بعض العوازم بالتجارة واصبحوا من النواخذة الكبار الذين يمتلكون السفن التي تجوب البحار، وفي التاريخ المعاصر وقيام دولة المؤسسات والدستور تولى الرجال الاكفاء منهم اعلى المناصب فمنهم الوزراء والوكلاء والسفراء واعضاء مجلس الامة، حازوا ثقة مواطنيهم باستحقاق وجدارة.
ونعود الى تسلسل الاحداث التاريخية واستقرار العوازم في الكويت قبل تأسيسها فنجد ان التاريخ يحدثنا عن اندماجهم مع المستوطنين الجدد (العتوب) عند وصولهم وانهم قدموا ولاءهم لصباح الاول واستمروا على هذا الولاء لال الصباح منذ التأسيس والى الوقت الحاضر او ما يسمى بالتاريخ المعاصر، وانهم شاركوا مشاركة فاعلة في تنمية الكويت والحفاظ على امنها واستقرارها، وفي الدفاع عنها امام الطامعين الساعين الى السيطرة عليها او ضمها، وشاركوا في كل المعارك التي تعرضت لها وقدموا التضحيات في سبيلها، شأنهم في ذلك شأن الكويتيين جميعا بزعامة آل الصباح.
ومنهم من درس ودرّس وتفقه في الدين، فلا ننسى في هذا الجانب دور الشيخ الفاضل «مساعد العازمي» الذي تفقه في الدين وسجل احداثا تاريخية مهمة، وكان اول من درس في الازهر من الكويتيين وعاد الى بلاده بعد ان طاف بعدة بلدان للتزود بالعلم، كما كانت اسرة «بورسلي» من أولى الاسر المستقرة في الكويت قبل تأسيسها، وساهمت مع العتوب والعوازم وغيرهما في الاحداث التاريخية التي مرت بالكويت.
وأهم ما يخص هذا الاستقرار للعوازم في المناطق الساحلية للكويت ان هذه المناطق اصبحت تشكل السور الشمالي لحدود الكويت وسجلها اول معتمد سياسي في الكويت (الكولونيل نوكس) عام 1908م من خلال شهادة من استقر في هذه المناطق وهي وربة وبوبيان وأم قصر وسفوان التي سعت الدولة العثمانية الى احتلالها واقتطاعها من حدود الكويت وضمها لولاية البصرة العثمانية وذلك انتقاما من الشيخ مبارك لميله الى بريطانيا وتوقيعه اتفاقية الحماية معها في 23 يناير 1899م، ونجحت الكويت في استعادة بعض هذه المناطق التي وضعت فيها الدولة العثمانية حاميات عسكرية عام 1902م، وكانت شهادات الجوار اعتمادا على تلك الشهادات ولكنها خسرت اجزاء من أم قصر وكل سفوان نتيجة التسوية التي قدمت فيها بريطانيا بعض التنازلات التي تمس حقوق الكويت في اراضيها مقابل مصالح تحصلت عليها من الدولة العثمانية في الاتفاقية الانكليزية - التركية لعام 1913م، التي كانت الاساس لاتفاقيات الحدود بين الكويت والعراق والتي ظلمت فيها الكويت واعترض عليها الشيخ مبارك ولم يقبلها وسانده المسؤولون البريطانيون في المنطقة، ومنهم المعتمد (الوكيل) السياسي البريطاني والمقيم السياسي البريطاني في الخليج، ولكن الحكومة البريطانية مضت في تنازلاتها كسبا لمصالحها، وهذا ما سجلته في موسوعة تحليلية لوثائق الحدود الكويتية - العراقية تبين ان هذه الحدود التي ظلت معترفا بها حتى انها كانت الاساس الذي اعتمدت عليه لجنة الامم المتحدة التي رسمت الحدود.
ثانيا: أما ما ذكره الاستاذ احمد الدويهيس حول تاريخ تأسيس الكويت في وقت مبكر عن التاريخ الذي كان يعتقد انه عام 1756م في حين ان التاريخ الصحيح هو عام 1613م أود الايضاح انني اعتمد على الوثائق الرسمية المؤكدة التي لا يرقى اليها شك وليس على الرواية، فالرواية لا يعتد بها الا اذا كانت رواية حية اي لمن عاصر الاحداث وشارك فيها، ولم يكن ما ذكره الكولونيل بيللي او الميجر كولبروك رواية وإنما كانت وثائق رسمية عبارة عن تقارير مرسلة الى حكوماتهم وليس هناك مصلحة سياسية البتة للحكومة البريطانية في ان تكون الكويت تأسست عام 1613م او عام 1756م.
فالاول بيللي مقيم سياسي بريطاني في الخليج اي اعلى منصب سياسي لمسؤول بريطاني في الخليج كتب تقريره الموجه الى حكومته بتاريخ 16 يوليو 1863م ذاكرا ما ترجمته «تتولى عائلة الشيخ الحالي (الشيخ صباح الثاني) منذ نحو خمسة اجيال اي منذ نحو 250 سنة» وعندما نطرح 250 سنة من 1863م يكون الناتج 1613م أما الثاني (الميجر كولبروك) وهو ايضا يشغل منصب رفيع فقد كتب تقريره عن المنطقة بتاريخ 10 سبتمبر 1820م والذي ذكر فيه ماترجمته: «وأول مستوطنة على رأس الخليج هي الكويت التي تقع على مرفأ صالح لرسو السفن، ويقطنها خليط من العرب الخاضعين لآل الصباح، وهم فرع من قبيلة العتوب (اخطأ بنسبه الى قبيلة العتوب فلم يكن العتوب قبيلة وقد أوردنا تعريفهم فيما سبق).
ويستكمل كولبروك ذاكرا «وتقوم على حمايتهم قلعة مزودة بعشرين مدفعا» وبالتالي فإن التقريرين أعلاه ليسا روايات وليس فيهما اي مجال للهوى والاغراض السياسية ولم يعمل الاثنان من خلال هذين التقريرين الرسميين على توظيف هذه الروايات لأغراض سياسية من اجل إقصاء نفوذ الدولة العثمانية من جهة ودعم نفوذ الشيخ مبارك الكبير من جهة اخرى، فالتقريران كتبا في فترة سابقة لتولي الشيخ مبارك الصباح بوقت طويل وهما تقريران رسميان موجهان الى حكومتهما وليسا روايات... كما ان ليس لهما او للحكومة البريطانية اي هدف سياسي في كون الكويت تأسست بتاريخ 1756م او 1613م، كما ان ما ذكره الاستاذ احمد الدويهيس «من ان الباحث لتتبع لسيرة الشيخ مبارك يدرك أن الشيخ مبارك وظف الكثير من الروايات توظيفا سياسيا لأسباب معروفة انحصرت في ثلاثة اسباب رئيسية كما يعتقد الاستاذ احمد الدويهيس: أولها إفشال محاولات يوسف الابراهيم التي تهدف الى عزله... وثانيهما التأثير على الدولة العثمانية لكسب تعاطفها... وثالثهما سعي الشيخ مبارك لإقناع الحكومة البريطانية باستقلال الكويت... وانه وريث بيت الحكم...».
فأود ان أوضح أن لا علاقة البتة للتقريرين السابقين بالاسباب الثلاثة، ولا بالشيخ مبارك نفسه الذي لا يعلم شيئا عنهما، ولم يوظفهما لصالح الاسباب الثلاثة، كما ان تأسيس تاريخ الكويت عام 1613م او قبل ذلك او بعده لا يشكل اي مصلحة للشيخ مبارك، حتى ان الشيخ مبارك كتب وثيقته الخاصة بالتاريخ الذي يراه لتأسيس الكويت في فترة لاحقة طويلة بعد التقريرين المذكورين ولم يشر لهما من قريب او بعيد، وبعد ان زالت كل الاسباب الثلاثة التي ذكرتها معتقدا ان الشيخ مبارك وظف الروايات سياسيا مواجهتها ومن اجلها فقد كانت وثيقته في عام 1912م وبعد ان انتهى خطر يوسف الابراهيم على حكمه، وكذلك كان حكمه قد ترسخ، وكانت اتفاقية الحماية البريطانية قد وقعت مع الشيخ مبارك في 23 يناير 1899م وكان سبب اصدار وثيقة الشيخ مبارك هو طلب الدولة العثمانية من وكيل الشيخ في البصرة عبد العزيز السالم ان يحدد الشيخ الحدود التي يراها لبلاده خلال فترة المباحثات بين الدولة العثمانية
وبريطانيا لعقد الاتفاقية الانكليزية/ التركية لعام 1913 م حيث امتدت المفاوضات بين الدولتين في الفترة بين 1911 - 1913م وكان قسم من الاتفاقية يتعلق بالكويت وحدودها لذلك اصدر الشيخ مبارك هذه الوثيقة واسماها «بيان حدود» استهلها بعبارة (الكويت ارض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022 هـ يوافق بالتاريخ الميلادي 1613م) وارسل نسخة من البيان إلى السلطات البريطانية لحفظ حقوق بلاده في حدودها كون الكويت كانت تحت الحماية البريطانية وهذه الوثيقة موجودة ضمن وثائق Kuwait Political Arabic Documents Vol3/ Arabic Editions
وسوف استعرض ادناه كل الادلة المادية والوثائقية التي تؤكد تأسيس الكويت في فترات سابقة لعام 1756م وانها موجودة ويحكمها آل صباح في القرن السابع عشر وليس منتصف القرن الثامن عشر ثم اعرض للوثائق التي تبين انها اسست عام 1613م. الا انه قبل ذلك اود ان اعود إلى جانب مما ذكره الاستاذ في ثانيا من اسباب الشيخ مبارك من ان ابناء الشيخ محمد حاكم الكويت السادس (صباح وعلي وسعود وخالد وعذبي) تم اخراجهم من الكويت إلى الصبية ثم رحلوا إلى البصرة... اود التأكيد ان ابناء الشيخ محمد والشيخ جراح لم يتم اخراجهم بل على العكس من ذلك فقد حاول الشيخ مبارك استرضاءهم والاخذ بخاطرهم... الا انهم خرجوا خفية، واولهم الشيخ سعود محمد الصباح الذي توجه سرا إلى الصبية على حصان إلى ابن خاله والدته الشيخة هيا بنت علي الجابر الصباح حتى ان الحصان نفق من التعب عند وصوله، وتبعه اخوانه وابن عمه الشيخ حمود جراح الصباح... وكان خروجهم جزعا من قتل والدهما الشيخين محمد بن صباح الثاني حاكم الكويت السادس، وشقيقه الشيخ جراح وطلبا لدعم يوسف الابراهيم في اخذ الثأر... وعلى الرغم من مشاركتهم في الحملات التي نظمها يوسف الابراهيم... الا انه مع مرور الوقت عادت العلاقات بينهم وبين عمهم شقيق والديهما (الشيخين محمد وجراح) (الشيخ مبارك) وتزوج ابناؤهم من بنات عمهم الشيخ مبارك، واولهم الشيخ سعود الذي تزوج الشيخة بيبي بنت مبارك، وبعد وفاتها تزوج الشيخة مريم المبارك ايضا وانجبت منها الشيوخ عبدالعزيز وناصر ويوسف وفيصل وبدرية التي تزوجت الشيخ فهد السالم الصباح، والشيخ حمد تزوج الشيخة حصة بنت الشيخ صباح المحمد وانجب منها الشيخين مبارك وخالد الحمد الصباح والشيخة شريفة زوجة الشيخ جابر الأحمد، كما تزوج الشيخ سلمان حمود الصباح ابنة الشيخ صباح المحمد وانجب منها الشيخ حمود السلمان والشيخ دعيج السلمان والشيخة عايشة السلمان، وتزوج شقيقة الشيخ سالم الحمود ايضا الشيخة هيا بنت الشيخ صباح المحمد وانجب منها الشيخين جابر وصباح... وهكذا استمر التزوج والمصاهرة بين ذرية صباح الثاني واولهم بنات الشيخ مبارك الصباح اللواتي تزوجن من ابناء عمهن والعكس صحيح، حيث تزوج ابناء الشيخ مبارك من بنات عمومتهم فلم تنقطع صلة الرحم بينهم ولم تتزوج بنات الشيخين محمد وجراح الا من ابناء اعمامهم، حتى قبل حادث القتل والهجرة كان الـــــــشيخ سالم متـــــزوجاً من ابنة عمه جراح مريم والدة الشـــــيخ عبدالله السالم والشيخة بيبي السالم.
اما عن تاريخ تأسيس الكيان السياسي للكويت الذي اختلفت حوله المصادر، ففي البداية وجدنا من الادلة الوثائقية والمادية ما يؤكد ان الكويت تأسست قبل منتصف القرن الثامن عشر الذي حدده الدكتور أحمد مصطفى ابوحاكمه واخذ عنه الباحثون الآخرون، وكانت هذه الادلة التي سنوردها ادناه تدل على ان الكيان الكويتي موجود في مطلع القرن الثامن عشر فاعتمدناها في اصدار سابق ولكنها لا تنفي امكانية ان يكون التأسيس قبل ذلك، لذا وجب علينا ان نعرض لادلة الوجود ثم نصل إلى ادلة التأسيس التي اعتمدناها ليكون التأسيس عام 1022 هـ الموافق 1613م.
اولا الادلة على وجود كيان كويتي سياسي في مطلع القرن الثامن عشر:
- فرانسيس واردن F. Warden من موظفي حكومة الهندي في تقريره عن القبائل في اغسطس 1819م ذكر ان وصول العتوب وتأسيس حكم ال صباح كان عام 1716م وبعد الدراسة وجدنا ما هو قبل ذلك.
- مسجد ال خليفة الذي انشأه خليفة بن محمد آل خليفة عام 1126 هـ الموافق 1714م ونقش عليه سنة بنائه واوقف عليه قطعة نخيل منحها للعتوب بنو خالد نتيجة مشاركتهم لهم في فتح القطيف.
- مسجد آل بحر استصدر (عبدالله بن سعيد) احد ابناء آل بحر حكم من قاضي الكويت عام 1745م لبيع دار كانت موقوفة على المسجد ليعيد بناءه نتيجة تقادمه بعد بنائه منذ فترة طويلة حددها النبهاني في كتابة (التحفة النبهانية) بأن بناءه كان عام 1080 هـ الموافق 1670م.
- نسخة من مخطوطة (الموطأ) التي نسخها مسيعيد بن مساعد بن سالم عام 1066 هـ الموافق 1687م في جزيرة فيلكا، فلابد والحالة هذه ان فيلكا فيها استقرار وفيها علماء الفوا ونسخوا مثل هذه الكتب.
- رحلة مرتضى بن علوان الذي زار الكويت عام 1120هـ 1709م ووصفها بأنها بلد لا بأس فيه تشابه الحسا ولكن بعماراتها وابراجها تشابهها، غير انها اقل منها عمراناً، وهذا ما يدل على تأسيسها منذ فترة طويلة.
- خريطة المائية عنوانها Persia Save Sophorvm Regnvm رسمها الكاتوجرافي Blcau عام 1645م.
- خريطة الجغرافي نيكولاس سانسون عام 1652م.
- خريطة فرنسية أخرى معنونة Carte Trois A/arbies منشورة عام 1654 محفوظة في مكتبة كمبرغ.
- مخطوطة (لؤلؤتي البحرين وقرتي العينين) (لأحمد بن يوسف الدرازي المتوفى عام 1186هـ) حيث يذكر معركة في البحرين كان العتوب طرفاً فيها - أرخها بكلمة شتتوها التي تساوي في التاريخ الهجري وفقاً لتقويم الجمل 1112هـ الموافق 1700م وهي المعركة التي وقعت بين تحالف العتوب وآل مسلم (حكام الزبارة التي استقر فيها العتوب لفترة) - ووالي البحرين الذي أوقع بين العتوب وآل مسلم ثم حرض الهولة على مهاجمتهم ما دعاهم إلى الأخذ بالثأر وقد تكون هذه المعركة بعد استقرار العتوب في الكويت.
- الوثيقة العثمانية (رقم 111 من دفتر الهمة العثماني صحيفة ط 713) 1113هـ 1701م وهي عبارة عن رسالة من والي البصرة الى السلطان يستأذنه ليترك العتوب يقيمون في إحدى مضافات البصرة لأنهم على قوة بحرية كبيرة، فقد جاؤوا بسفن كبيرة مزودة بالأسلحة وفي حال عدم تأمين مكان لهم يتعرضون للقبائل الرُحّل براً وبحراً.
وعلى الرغم من ان الدكتور يعقوب الغنيم يشكك في صحة هذه الوثيقة لاختلاف الترجمة بين ترجمتين للوثيقة ولعدم وجود ما يؤيدها في تاريخ البصرة او الكويت الا اننا نجد انه لو صحت او صدقت هذه الوثيقة فإنها قد تشير الى ذهاب الشيخ صباح الأول الى ولاة الدولة العثمانية في العراق لتأمين جانبهم.
وبين ادلة الوجود في مطلع القرن الثامن عشر والتي لا تنفي الوجود قبل ذلك وادلة التأسيس في القرن السابع عشر من خرائط وأدلة اخرى ولكنها لا تحدد تاريخاً محدداً في القرن السابع عشر، كان لابد من المزيد من البحث الذي دل على التأسيس عام 1022هـ الموافق 1613م وهي على النحو التالي:
- بيان حدود للشيخ مبارك سالف الذكر والذي استهله بعبارة «الكويت أرض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022هـ.
- ما ذكره الكابتن بيللي المقيم السياسي في الخليج في تقريره عام 1863م من أن الكويت تأسست قبل 250 عاماً من تاريخ كتابة التقرير فيكون الناتج 1613م.
- ما جاء في كتاب «تاريخ نجد وحوادثها» لصالح بن عثمان بن حمد قاضي عنيزة حيث عدد من البلدان مبيناً تاريخ نشأتها ومن ذلك قوله «تأسست الكويت عام 1022هـ».
وذهب حفيد القاضي القاضي صالح بن عثمان الى ما ذهب اليه جده، فذكر الحفيد (محمد بن عثمان بن صالح) والذي شغل منصب القضاء مثل جده في كتابه (روضة الناصرين في مآثر علماء نجد وحوادث الستين) تحت عنوان: (فوائد تاريخية من عدة مخطوطات)، مشيراً ضمن تحديده تاريخ تأسيس البلدان في الجزيرة العربية وما جاورها ان الكويت تأسست عام 1022هـ.
وهكذا اجتمع الأربعة من المسؤولين لا يجمعهم مكان ولا زمان على تاريخ واحد هو عام 1022هـ الموافق 1613م.
وما يذكره الاستاذ أحمد عن الأحياء السكنية غير صحيح، فلا تختلف المصادر في ان العتوب هم الذين بنوا البيوت الحجرية والمساجد وان الأمر فيها آل الى آل الصباح الذين حكموا الكويت منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا ولم يحكمها أجنبي عن القوم الذين أسسوها، ولم ينفرد بالأمر والنهي فيها سواهم، وقد بينا في مقالتنا في «الوطن» بتاريخ 7 مارس 2010م أن العوازم استقروا على شواطئ الكويت قبل وصول العتوب، وعند وصول العتوب اندمجوا مع المستوطنين الجدد وقدموا ولاءهم لصباح الأول ولايزالون على هذا الولاء، وقد ساهموا في تنمية الكويت وقدموا الكثير من التضحيات في سبيل الحفاظ على أمنها واستقلالها شأنهم في ذلك شأن بقية الكويتيين، ولم يكن رجوعهم واحتكامهم الى الشيوخ من آل الصباح على أساس ديني كون آل الصباح على مذهب الامام مالك، فلم يكن الشيخ صباح الأول شيخ دين فقط وانما زعيم وحاكم بايعه المستوطنون الجدد (العتوب) وكذلك فعل العوازم واستمروا على ولائهم والمبايعة تتجدد مع كل شيخ يحكم الكويت من آل الصباح، وهذا ما أكدته المصادر والوثائق المحلية والعربية والأجنبية ومن ذلك ما ذكره فرانسيس واردن عن وصول العتوب وتقاسم السلطة مؤكداً ان آل الصباح تولوا الحكم، بينما تولى آل خليفة التجارة وتولى الجلاهمة شؤون البحر.
أما مؤرخنا عبد العزيز الرشيد والمقيم السياسي البريطاني في الخليج فلم يكتفيا بتأكيد ان الزعامة والحكم لآل الصباح بل نسبا بناء القلعة او الكوت الذي اخذت الكويت منه اسمها (وكوته صغير فسميت كويت بدلا من الكوت) فذكر الاستاذ عبد العزيز الرشيد (وقيل اسسه آل صباح انفسهم) وأشار بيللي ما ترجمته «ثم اقبل اول الشيوخ (الرئيس) بعد ذلك عبر خور بوبيان مع اتباعه، وحط الرحال على الخليج الذي يسمى الآن الكويت او القرين، وبعد ان عبر الخليج استقر على الشاطئ الشمالي وأقام قلعة او كوتا، ومن هنا اشتق اسم الكويت... أما كلمة القرين فتطلق عل الخط الساحلي للخليج بأكمله حتى المنحنى المكون من قرنين، ومنه جاء الاسم.
ونستشهد بدليل آخر هو ما جاء في تقرير الميجر كولبروك بتاريخ 10 سبتمبر 1820م والذي ذكر فيه ما ترجمته «وأول مستوطنة على رأس الخليج هي الكويت التي تقع على مرفأ صالح لرسو السفن ويقطنها خليط من العرب الخاضعين لآل الصباح وهم فرع من قبيلة العتوب (اخطأ في هذه العبارة فالعتوب ليسوا قبيلة) وتقوم على حمايتهم قلعة مزودة بعشرين مدفعا».
وبالرغم من ان كولبروك لم يتحدث عن باني القلعة، الا انه اعطى وصفا يختلف عن الوصف الذي ذكر عند المؤرخين الذين كتبوا عن القلعة دون ان يشاهدوها، فهي بناء على شكل قلعة حصينة مزودة بعشرين مدفعا ما يؤكد أن الكويتيين هم بناة الكوت، وانهم اسسوه بشكل يناسب حاجتهم وكون الكويتيين خاضعين لآل صباح كما ذكر فهذا يعني ان صباح الاول هو باني القلعة.
وما اعتمدناه بهذا الخصوص لا يعني اننا ننكر حماية بني خالد التي استظل بها العتوب حتى اثناء الرحلة حين استقرارهم الموقت في الزبارة في قطر تحت حكم آل مسلم واستمرت حماية بني خالد للعتوب حين استقروا في الكويت، فقد كانوا قادرين على توفير الحماية للطرق التجارية والمستوطنين الجدد الذين اصبحوا كويتيين، هم ومن استقر في الكويت قبلهم من قبيلة العوازم الذين بايعوا صباح الاول، والكويتيين جميعا اشتغلوا بالتجارة ونقل التجارة والافراد بحرا وبرا.
أما ما يذكره الاستاذ احمد عن الغانم والقطامي الذين ينتمون لآل زايد، فهم ينتسبون الى قبيلة عنزة كذلك وهم مجموعة العتوب المهاجرة من موطنها الاصلي مرورا بعدة اماكن حتى استقرت في الكويت.
وعن المعارك التي خاضها العتوب فكانت اثناء رحلتهم ودافعوا عن انفسهم في مواجهة آل مسلم عندما أوقع والي البحرين الفارسي بينهم بقوتهم الذاتية، ثم متحدين مع آل مسلم في مواجهة الهولة (والاخيران عرب يقطنون بر فارس وهم حوله ولكن الفرس لا ينطقون حرف الحاء) وأخيرا متحدين مرة اخرى مع آل مسلم في مواجهة والي البحرين الفارسي وانتصروا عليه... وأول معركة بعد تأسيس الكويت كانت معركة الرقة في مواجهة بني كعب وشارك فيها الكويتيون جميعا وحققوا النصر بإبائهم وتضحياتهم وحكمة حكامهم، وكان ذلك في عهد الشيخ عبد الله بن صباح حيث كانت حيلة بني كعب لتحقيق اطماعهم في الكويت خطية ابنة الشيخ مريم التي وقفت تحث القوات الكويتية على الاستبسال، لذا اصبح ابناء آل صباح ينتخون بعبارة (أنا أخو مريم) ويلقبهم الآخرون بإخوان مريم... وتفصيل المعركة في كتابي (الكويت حضارة وتاريخ).
وحول هجرة آل خليفة من الكويت فلم تكن بسبب تولي صباح الاول الحكم، بل بسبب تعديات بني كعب كما ذكر الشيخ عبد الله بن خالد، الذي يرأس مركز الوثيقة في مملكة البحرين الشقيقة الى جانب عدة مراكز قيادية اهمها منصب نائب رئيس الوزراء... وتتفق روايته مع ما ذكره مؤرخونا المحليون والعرب، الى جانب ما ذكره فرانسيس واردن من ان الهجرة تعود الى الطموح والرغبة في تحقيق مزيد من المكاسب كونهم تولوا التجارة.
ولم تؤد هجرة آل خليفة الى الزبارة اولا ثم فتحوا البحرين الى خلاف بين آل صباح وآل خليفة، بل استمر التعاون والمشاركة في كل ما يتعرض له احدهما فساهم الكويتيون في فتح البحرين بعد معركة الزبارة التي كانوا على غير علم بها... واستمرت اواصر القربى والمصاهرة بين الاسرتين الكريمتين، فكان الزواج الاول حين توفي الشيخ خليفة في الكويت قبل الهجرة فربى الشيخ صباح ابنه وزوجة ابنته.
وكان الزواج الثاني حين تزوج احد ابناء آل خليفة واسمه خليفة من حبابة ابنة الشيخ صباح الثاني اخت الشيخ محمد والشيخ مبارك وأنجبت منه سعود وهيا ولكنهما لم يعمرا، ثم تزوجت الشيخ جابر الفاضل جد الشيوخ جابر خالد الجابر وزير الداخلية وابراهيم دعيج الابراهيم الفاضل محافظ الاحمدي وإخوانهم وأخواتهم.
وبعد كل ما قدمته من ايضاحات تتعلق بما جاء في مقالة السيد احمد حمود الدويهيس وكذلك على ما جاء في تعليق الاستاذ الباحث والكاتب عبد الله الهران اللذين يبدو انهما لم يقرآ مقالتي اللاحقة للمحاضرة التي ألقيتها في اليرموك وأفردتها لقبيلة العوازم الكريمة وعن استقرارهم في الكويت قبل وصول العتوب اليها، وتكوين الكيان السياسي الكويتي وانهم اندمجوا مع المستوطنين الجدد وبايعوا صباح الاول واستمروا على ولائهم لآل الصباح، وساهموا في تنمية الكويت وقدموا التضحيات من اجلها، وكانت شهاداتهم لمواقع حضورهم في بوبيان وغيرها من المناطق الشمالية، وانها رخصت لهم من عبد الله بن صباح الاول جد الشيخ مبارك السور الذي يؤكد تبعية هذه المناطق للكويت وكان ذلك عندما قام الكولونيل نوكس اول معتمد سياسي بريطاني في الكويت عام 1908م بمسح لحدود الكويت امام توجهات الدولة العثمانية لتوسع حدود البصرة التابعة لها بشكل كامل على حساب الكويت التي عقدت معاهدة حماية مع بريطانيا في 23 يناير 1899م، وسجلت هذه الشهادات بأسماء اصحابها في موسوعة عن الحدود ستصدر قريبا إن شاء الله وأبرزتها في المقالة المشار اليها لأبين للإخوة العوازم انني لا أبخسهم حقهم في قول الحق فأنا اعلم ان التاريخ امانة ومسؤولية لا اقبل التفريط بها، فأكتب ابحاثي اعتمادا على الادلة الوثائقية التي لا يرقى اليها الشك والادلة المادية... وأملك الشجاعة الادبية لقول الحق ولو كان على حساب اقرب الناس لي فشرف انتمائي لأسرة الصباح لا يمنعني من قول الحقيقة التاريخية، ولا اقبل ان اظلم احداً بإخفاء حقيقة تتعلق ببذوره في تاريخ الكويت، الا ان التشكيك من البعض في محاولة لإظهار معرفة او لإضافة دور لقبيلته عن طريق الكتابة والنشر ما يدعوني للرد لن يكون في صالح من كتبت عنهم لا سيما اذا كان في محاولة الاضافة دور لم يكن صحيحا لقبيلته بدافع الحماس، او غيره وسيفقدهم المصداقية التي نحرص عليها جميعا.
والله الموفق والمستعان على ما نقول.
*عميدة كلية الآداب
رئيسة الجمعية التاريخية الكويتية
رئيسة مكتب الدراسات التاريخية في جامعة الكويت
تحت عنوان «نشأة الكويت وتطورها» كانت محاضرة د. ميمونة الصباح وذلك في «مركز تنمية المجتمع» في منطقة اليرموك في مناسبة الاحتفالات بذكرى العيد الوطني وذكرى تحرير الكويت من العدوان الغاشم للنظام العراقي البائد.
وقد وردنا من السيد أحمد حمود الدويهيس تعقيب على تلك المحاضرة نشر في صفحة اراء، في الثاني عشر من هذا الشهر، وعلى هذا التعقيب وردنا تعقيب من الدكتورة ميمونة الصباح ومن خلال ذلك كله نأمل في اثراء النقاش حول جانب مهم في تاريخ الكويت.
وهذا نص الرد:
لقد شاب مقالة الاستاذ احمد حمود الدويهيس كثبر من اللبس والخطأ بالنسبة لمحاضرتي لذا وجب علي كباحثة مختصة بتاريخ الكويت الرد، وتصحيح بعض هذا اللبس والمعلومات التاريخية على النحو التالي:
أولا: لم اقل ان العتوب الذين كانوا بزعامة آل صباح وآل خليفة والجلاهمة اول من سكن الكويت، وانما ذكرت ان قسما من قبيلة العوازم كان موجودا من قبل وصول العتوب، وقبل ان يتكون الكيان السياسي الذي اسسه العتوب، وهم مجموعة من العشائر ينتمون في اغلبهم الى قبيلة عنزة العربية الكبرى التي تنتمي اليها اسرتا آل صباح وآل خليفة واسر اخرى، الى جانب بعض القبائل الاخرى مثل الهواجر الذين ينتمي اليهم الجلاهمة، ومنهم عائلتا النصف والمضف وغيرهم من العوائل الكويتية.
فالمقصود هنا هو تأسيس الكيان السياسي، وليس من سكن هذه الارض الطيبة قبل تكوين الكيان السياسي، لذا لم اورد تفصيلا عن العوازم في المحاضرة.
وإلزاما مني بالمسؤولية والامانة التاريخية فقد حرصت على عدم اغفال وجود قسم من العوازم في الكويت قبل وصول العتوب الذين اسسوا المشيخة او الامارة ككيان قائم، فكان ان افردت مقالة خاصة بعنوان «العوازم» استقروا في الكويت قبل تأسيس الكيان السياسي، نشرت في جرية «الوطن» بتاريخ 7 مارس 2010م اوضحت فيها انه لما كانت المحاضرة تختص بتاريخ تأسيس الكيان السياسي لامارة الكويت، وتولي آل صباح الحكم فيها، والتي نمت وتطورت تطورا سريعا، واصبحت دولة مستقلة ناهضة بعمل وجهد وتضحيات اهلها جميعا حاكما ومحكوما.
واكدت في المقالة ان لا احد ينكر ان قسما من قببيلة العوازم كان موجودا في الكويت قبل وصول العتوب اليها، حيث استقروا على شواطئها وامتهنوا مهنة صيد السمك حين ابت الصحراء القاحلة ان تمنحهم فرص الحياة، ويعترض الاستاذ احمد حمود الدويهيس، على كوني اشرت الى امتهان العوازم هذه المهنة، واقول له ان العمل شرف في اي مهنة شريفة، وان هذه المهنة امتهنها كثير من المستوطنين الجدد (العتوب) الذين اتجهوا للبحر وامتهنوا المهن البحرية لتعويض ما أبت بيئتهم الصحراوية ان تنعم عليهم بفرص الحياة الكريمة، ويكفي ان نقول للاستاذ احمد انه في وقت لاحق كانت شهادات اصحاب (الحضور) من العوازم هي التي اكدت تبعية الجزر للكويت كما سيأتي ادناه.
ومع تكوين الكيان الكويتي وتطوره السريع، اشتغل بعض العوازم بالتجارة واصبحوا من النواخذة الكبار الذين يمتلكون السفن التي تجوب البحار، وفي التاريخ المعاصر وقيام دولة المؤسسات والدستور تولى الرجال الاكفاء منهم اعلى المناصب فمنهم الوزراء والوكلاء والسفراء واعضاء مجلس الامة، حازوا ثقة مواطنيهم باستحقاق وجدارة.
ونعود الى تسلسل الاحداث التاريخية واستقرار العوازم في الكويت قبل تأسيسها فنجد ان التاريخ يحدثنا عن اندماجهم مع المستوطنين الجدد (العتوب) عند وصولهم وانهم قدموا ولاءهم لصباح الاول واستمروا على هذا الولاء لال الصباح منذ التأسيس والى الوقت الحاضر او ما يسمى بالتاريخ المعاصر، وانهم شاركوا مشاركة فاعلة في تنمية الكويت والحفاظ على امنها واستقرارها، وفي الدفاع عنها امام الطامعين الساعين الى السيطرة عليها او ضمها، وشاركوا في كل المعارك التي تعرضت لها وقدموا التضحيات في سبيلها، شأنهم في ذلك شأن الكويتيين جميعا بزعامة آل الصباح.
ومنهم من درس ودرّس وتفقه في الدين، فلا ننسى في هذا الجانب دور الشيخ الفاضل «مساعد العازمي» الذي تفقه في الدين وسجل احداثا تاريخية مهمة، وكان اول من درس في الازهر من الكويتيين وعاد الى بلاده بعد ان طاف بعدة بلدان للتزود بالعلم، كما كانت اسرة «بورسلي» من أولى الاسر المستقرة في الكويت قبل تأسيسها، وساهمت مع العتوب والعوازم وغيرهما في الاحداث التاريخية التي مرت بالكويت.
وأهم ما يخص هذا الاستقرار للعوازم في المناطق الساحلية للكويت ان هذه المناطق اصبحت تشكل السور الشمالي لحدود الكويت وسجلها اول معتمد سياسي في الكويت (الكولونيل نوكس) عام 1908م من خلال شهادة من استقر في هذه المناطق وهي وربة وبوبيان وأم قصر وسفوان التي سعت الدولة العثمانية الى احتلالها واقتطاعها من حدود الكويت وضمها لولاية البصرة العثمانية وذلك انتقاما من الشيخ مبارك لميله الى بريطانيا وتوقيعه اتفاقية الحماية معها في 23 يناير 1899م، ونجحت الكويت في استعادة بعض هذه المناطق التي وضعت فيها الدولة العثمانية حاميات عسكرية عام 1902م، وكانت شهادات الجوار اعتمادا على تلك الشهادات ولكنها خسرت اجزاء من أم قصر وكل سفوان نتيجة التسوية التي قدمت فيها بريطانيا بعض التنازلات التي تمس حقوق الكويت في اراضيها مقابل مصالح تحصلت عليها من الدولة العثمانية في الاتفاقية الانكليزية - التركية لعام 1913م، التي كانت الاساس لاتفاقيات الحدود بين الكويت والعراق والتي ظلمت فيها الكويت واعترض عليها الشيخ مبارك ولم يقبلها وسانده المسؤولون البريطانيون في المنطقة، ومنهم المعتمد (الوكيل) السياسي البريطاني والمقيم السياسي البريطاني في الخليج، ولكن الحكومة البريطانية مضت في تنازلاتها كسبا لمصالحها، وهذا ما سجلته في موسوعة تحليلية لوثائق الحدود الكويتية - العراقية تبين ان هذه الحدود التي ظلت معترفا بها حتى انها كانت الاساس الذي اعتمدت عليه لجنة الامم المتحدة التي رسمت الحدود.
ثانيا: أما ما ذكره الاستاذ احمد الدويهيس حول تاريخ تأسيس الكويت في وقت مبكر عن التاريخ الذي كان يعتقد انه عام 1756م في حين ان التاريخ الصحيح هو عام 1613م أود الايضاح انني اعتمد على الوثائق الرسمية المؤكدة التي لا يرقى اليها شك وليس على الرواية، فالرواية لا يعتد بها الا اذا كانت رواية حية اي لمن عاصر الاحداث وشارك فيها، ولم يكن ما ذكره الكولونيل بيللي او الميجر كولبروك رواية وإنما كانت وثائق رسمية عبارة عن تقارير مرسلة الى حكوماتهم وليس هناك مصلحة سياسية البتة للحكومة البريطانية في ان تكون الكويت تأسست عام 1613م او عام 1756م.
فالاول بيللي مقيم سياسي بريطاني في الخليج اي اعلى منصب سياسي لمسؤول بريطاني في الخليج كتب تقريره الموجه الى حكومته بتاريخ 16 يوليو 1863م ذاكرا ما ترجمته «تتولى عائلة الشيخ الحالي (الشيخ صباح الثاني) منذ نحو خمسة اجيال اي منذ نحو 250 سنة» وعندما نطرح 250 سنة من 1863م يكون الناتج 1613م أما الثاني (الميجر كولبروك) وهو ايضا يشغل منصب رفيع فقد كتب تقريره عن المنطقة بتاريخ 10 سبتمبر 1820م والذي ذكر فيه ماترجمته: «وأول مستوطنة على رأس الخليج هي الكويت التي تقع على مرفأ صالح لرسو السفن، ويقطنها خليط من العرب الخاضعين لآل الصباح، وهم فرع من قبيلة العتوب (اخطأ بنسبه الى قبيلة العتوب فلم يكن العتوب قبيلة وقد أوردنا تعريفهم فيما سبق).
ويستكمل كولبروك ذاكرا «وتقوم على حمايتهم قلعة مزودة بعشرين مدفعا» وبالتالي فإن التقريرين أعلاه ليسا روايات وليس فيهما اي مجال للهوى والاغراض السياسية ولم يعمل الاثنان من خلال هذين التقريرين الرسميين على توظيف هذه الروايات لأغراض سياسية من اجل إقصاء نفوذ الدولة العثمانية من جهة ودعم نفوذ الشيخ مبارك الكبير من جهة اخرى، فالتقريران كتبا في فترة سابقة لتولي الشيخ مبارك الصباح بوقت طويل وهما تقريران رسميان موجهان الى حكومتهما وليسا روايات... كما ان ليس لهما او للحكومة البريطانية اي هدف سياسي في كون الكويت تأسست بتاريخ 1756م او 1613م، كما ان ما ذكره الاستاذ احمد الدويهيس «من ان الباحث لتتبع لسيرة الشيخ مبارك يدرك أن الشيخ مبارك وظف الكثير من الروايات توظيفا سياسيا لأسباب معروفة انحصرت في ثلاثة اسباب رئيسية كما يعتقد الاستاذ احمد الدويهيس: أولها إفشال محاولات يوسف الابراهيم التي تهدف الى عزله... وثانيهما التأثير على الدولة العثمانية لكسب تعاطفها... وثالثهما سعي الشيخ مبارك لإقناع الحكومة البريطانية باستقلال الكويت... وانه وريث بيت الحكم...».
فأود ان أوضح أن لا علاقة البتة للتقريرين السابقين بالاسباب الثلاثة، ولا بالشيخ مبارك نفسه الذي لا يعلم شيئا عنهما، ولم يوظفهما لصالح الاسباب الثلاثة، كما ان تأسيس تاريخ الكويت عام 1613م او قبل ذلك او بعده لا يشكل اي مصلحة للشيخ مبارك، حتى ان الشيخ مبارك كتب وثيقته الخاصة بالتاريخ الذي يراه لتأسيس الكويت في فترة لاحقة طويلة بعد التقريرين المذكورين ولم يشر لهما من قريب او بعيد، وبعد ان زالت كل الاسباب الثلاثة التي ذكرتها معتقدا ان الشيخ مبارك وظف الروايات سياسيا مواجهتها ومن اجلها فقد كانت وثيقته في عام 1912م وبعد ان انتهى خطر يوسف الابراهيم على حكمه، وكذلك كان حكمه قد ترسخ، وكانت اتفاقية الحماية البريطانية قد وقعت مع الشيخ مبارك في 23 يناير 1899م وكان سبب اصدار وثيقة الشيخ مبارك هو طلب الدولة العثمانية من وكيل الشيخ في البصرة عبد العزيز السالم ان يحدد الشيخ الحدود التي يراها لبلاده خلال فترة المباحثات بين الدولة العثمانية
وبريطانيا لعقد الاتفاقية الانكليزية/ التركية لعام 1913 م حيث امتدت المفاوضات بين الدولتين في الفترة بين 1911 - 1913م وكان قسم من الاتفاقية يتعلق بالكويت وحدودها لذلك اصدر الشيخ مبارك هذه الوثيقة واسماها «بيان حدود» استهلها بعبارة (الكويت ارض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022 هـ يوافق بالتاريخ الميلادي 1613م) وارسل نسخة من البيان إلى السلطات البريطانية لحفظ حقوق بلاده في حدودها كون الكويت كانت تحت الحماية البريطانية وهذه الوثيقة موجودة ضمن وثائق Kuwait Political Arabic Documents Vol3/ Arabic Editions
وسوف استعرض ادناه كل الادلة المادية والوثائقية التي تؤكد تأسيس الكويت في فترات سابقة لعام 1756م وانها موجودة ويحكمها آل صباح في القرن السابع عشر وليس منتصف القرن الثامن عشر ثم اعرض للوثائق التي تبين انها اسست عام 1613م. الا انه قبل ذلك اود ان اعود إلى جانب مما ذكره الاستاذ في ثانيا من اسباب الشيخ مبارك من ان ابناء الشيخ محمد حاكم الكويت السادس (صباح وعلي وسعود وخالد وعذبي) تم اخراجهم من الكويت إلى الصبية ثم رحلوا إلى البصرة... اود التأكيد ان ابناء الشيخ محمد والشيخ جراح لم يتم اخراجهم بل على العكس من ذلك فقد حاول الشيخ مبارك استرضاءهم والاخذ بخاطرهم... الا انهم خرجوا خفية، واولهم الشيخ سعود محمد الصباح الذي توجه سرا إلى الصبية على حصان إلى ابن خاله والدته الشيخة هيا بنت علي الجابر الصباح حتى ان الحصان نفق من التعب عند وصوله، وتبعه اخوانه وابن عمه الشيخ حمود جراح الصباح... وكان خروجهم جزعا من قتل والدهما الشيخين محمد بن صباح الثاني حاكم الكويت السادس، وشقيقه الشيخ جراح وطلبا لدعم يوسف الابراهيم في اخذ الثأر... وعلى الرغم من مشاركتهم في الحملات التي نظمها يوسف الابراهيم... الا انه مع مرور الوقت عادت العلاقات بينهم وبين عمهم شقيق والديهما (الشيخين محمد وجراح) (الشيخ مبارك) وتزوج ابناؤهم من بنات عمهم الشيخ مبارك، واولهم الشيخ سعود الذي تزوج الشيخة بيبي بنت مبارك، وبعد وفاتها تزوج الشيخة مريم المبارك ايضا وانجبت منها الشيوخ عبدالعزيز وناصر ويوسف وفيصل وبدرية التي تزوجت الشيخ فهد السالم الصباح، والشيخ حمد تزوج الشيخة حصة بنت الشيخ صباح المحمد وانجب منها الشيخين مبارك وخالد الحمد الصباح والشيخة شريفة زوجة الشيخ جابر الأحمد، كما تزوج الشيخ سلمان حمود الصباح ابنة الشيخ صباح المحمد وانجب منها الشيخ حمود السلمان والشيخ دعيج السلمان والشيخة عايشة السلمان، وتزوج شقيقة الشيخ سالم الحمود ايضا الشيخة هيا بنت الشيخ صباح المحمد وانجب منها الشيخين جابر وصباح... وهكذا استمر التزوج والمصاهرة بين ذرية صباح الثاني واولهم بنات الشيخ مبارك الصباح اللواتي تزوجن من ابناء عمهن والعكس صحيح، حيث تزوج ابناء الشيخ مبارك من بنات عمومتهم فلم تنقطع صلة الرحم بينهم ولم تتزوج بنات الشيخين محمد وجراح الا من ابناء اعمامهم، حتى قبل حادث القتل والهجرة كان الـــــــشيخ سالم متـــــزوجاً من ابنة عمه جراح مريم والدة الشـــــيخ عبدالله السالم والشيخة بيبي السالم.
اما عن تاريخ تأسيس الكيان السياسي للكويت الذي اختلفت حوله المصادر، ففي البداية وجدنا من الادلة الوثائقية والمادية ما يؤكد ان الكويت تأسست قبل منتصف القرن الثامن عشر الذي حدده الدكتور أحمد مصطفى ابوحاكمه واخذ عنه الباحثون الآخرون، وكانت هذه الادلة التي سنوردها ادناه تدل على ان الكيان الكويتي موجود في مطلع القرن الثامن عشر فاعتمدناها في اصدار سابق ولكنها لا تنفي امكانية ان يكون التأسيس قبل ذلك، لذا وجب علينا ان نعرض لادلة الوجود ثم نصل إلى ادلة التأسيس التي اعتمدناها ليكون التأسيس عام 1022 هـ الموافق 1613م.
اولا الادلة على وجود كيان كويتي سياسي في مطلع القرن الثامن عشر:
- فرانسيس واردن F. Warden من موظفي حكومة الهندي في تقريره عن القبائل في اغسطس 1819م ذكر ان وصول العتوب وتأسيس حكم ال صباح كان عام 1716م وبعد الدراسة وجدنا ما هو قبل ذلك.
- مسجد ال خليفة الذي انشأه خليفة بن محمد آل خليفة عام 1126 هـ الموافق 1714م ونقش عليه سنة بنائه واوقف عليه قطعة نخيل منحها للعتوب بنو خالد نتيجة مشاركتهم لهم في فتح القطيف.
- مسجد آل بحر استصدر (عبدالله بن سعيد) احد ابناء آل بحر حكم من قاضي الكويت عام 1745م لبيع دار كانت موقوفة على المسجد ليعيد بناءه نتيجة تقادمه بعد بنائه منذ فترة طويلة حددها النبهاني في كتابة (التحفة النبهانية) بأن بناءه كان عام 1080 هـ الموافق 1670م.
- نسخة من مخطوطة (الموطأ) التي نسخها مسيعيد بن مساعد بن سالم عام 1066 هـ الموافق 1687م في جزيرة فيلكا، فلابد والحالة هذه ان فيلكا فيها استقرار وفيها علماء الفوا ونسخوا مثل هذه الكتب.
- رحلة مرتضى بن علوان الذي زار الكويت عام 1120هـ 1709م ووصفها بأنها بلد لا بأس فيه تشابه الحسا ولكن بعماراتها وابراجها تشابهها، غير انها اقل منها عمراناً، وهذا ما يدل على تأسيسها منذ فترة طويلة.
- خريطة المائية عنوانها Persia Save Sophorvm Regnvm رسمها الكاتوجرافي Blcau عام 1645م.
- خريطة الجغرافي نيكولاس سانسون عام 1652م.
- خريطة فرنسية أخرى معنونة Carte Trois A/arbies منشورة عام 1654 محفوظة في مكتبة كمبرغ.
- مخطوطة (لؤلؤتي البحرين وقرتي العينين) (لأحمد بن يوسف الدرازي المتوفى عام 1186هـ) حيث يذكر معركة في البحرين كان العتوب طرفاً فيها - أرخها بكلمة شتتوها التي تساوي في التاريخ الهجري وفقاً لتقويم الجمل 1112هـ الموافق 1700م وهي المعركة التي وقعت بين تحالف العتوب وآل مسلم (حكام الزبارة التي استقر فيها العتوب لفترة) - ووالي البحرين الذي أوقع بين العتوب وآل مسلم ثم حرض الهولة على مهاجمتهم ما دعاهم إلى الأخذ بالثأر وقد تكون هذه المعركة بعد استقرار العتوب في الكويت.
- الوثيقة العثمانية (رقم 111 من دفتر الهمة العثماني صحيفة ط 713) 1113هـ 1701م وهي عبارة عن رسالة من والي البصرة الى السلطان يستأذنه ليترك العتوب يقيمون في إحدى مضافات البصرة لأنهم على قوة بحرية كبيرة، فقد جاؤوا بسفن كبيرة مزودة بالأسلحة وفي حال عدم تأمين مكان لهم يتعرضون للقبائل الرُحّل براً وبحراً.
وعلى الرغم من ان الدكتور يعقوب الغنيم يشكك في صحة هذه الوثيقة لاختلاف الترجمة بين ترجمتين للوثيقة ولعدم وجود ما يؤيدها في تاريخ البصرة او الكويت الا اننا نجد انه لو صحت او صدقت هذه الوثيقة فإنها قد تشير الى ذهاب الشيخ صباح الأول الى ولاة الدولة العثمانية في العراق لتأمين جانبهم.
وبين ادلة الوجود في مطلع القرن الثامن عشر والتي لا تنفي الوجود قبل ذلك وادلة التأسيس في القرن السابع عشر من خرائط وأدلة اخرى ولكنها لا تحدد تاريخاً محدداً في القرن السابع عشر، كان لابد من المزيد من البحث الذي دل على التأسيس عام 1022هـ الموافق 1613م وهي على النحو التالي:
- بيان حدود للشيخ مبارك سالف الذكر والذي استهله بعبارة «الكويت أرض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022هـ.
- ما ذكره الكابتن بيللي المقيم السياسي في الخليج في تقريره عام 1863م من أن الكويت تأسست قبل 250 عاماً من تاريخ كتابة التقرير فيكون الناتج 1613م.
- ما جاء في كتاب «تاريخ نجد وحوادثها» لصالح بن عثمان بن حمد قاضي عنيزة حيث عدد من البلدان مبيناً تاريخ نشأتها ومن ذلك قوله «تأسست الكويت عام 1022هـ».
وذهب حفيد القاضي القاضي صالح بن عثمان الى ما ذهب اليه جده، فذكر الحفيد (محمد بن عثمان بن صالح) والذي شغل منصب القضاء مثل جده في كتابه (روضة الناصرين في مآثر علماء نجد وحوادث الستين) تحت عنوان: (فوائد تاريخية من عدة مخطوطات)، مشيراً ضمن تحديده تاريخ تأسيس البلدان في الجزيرة العربية وما جاورها ان الكويت تأسست عام 1022هـ.
وهكذا اجتمع الأربعة من المسؤولين لا يجمعهم مكان ولا زمان على تاريخ واحد هو عام 1022هـ الموافق 1613م.
وما يذكره الاستاذ أحمد عن الأحياء السكنية غير صحيح، فلا تختلف المصادر في ان العتوب هم الذين بنوا البيوت الحجرية والمساجد وان الأمر فيها آل الى آل الصباح الذين حكموا الكويت منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا ولم يحكمها أجنبي عن القوم الذين أسسوها، ولم ينفرد بالأمر والنهي فيها سواهم، وقد بينا في مقالتنا في «الوطن» بتاريخ 7 مارس 2010م أن العوازم استقروا على شواطئ الكويت قبل وصول العتوب، وعند وصول العتوب اندمجوا مع المستوطنين الجدد وقدموا ولاءهم لصباح الأول ولايزالون على هذا الولاء، وقد ساهموا في تنمية الكويت وقدموا الكثير من التضحيات في سبيل الحفاظ على أمنها واستقلالها شأنهم في ذلك شأن بقية الكويتيين، ولم يكن رجوعهم واحتكامهم الى الشيوخ من آل الصباح على أساس ديني كون آل الصباح على مذهب الامام مالك، فلم يكن الشيخ صباح الأول شيخ دين فقط وانما زعيم وحاكم بايعه المستوطنون الجدد (العتوب) وكذلك فعل العوازم واستمروا على ولائهم والمبايعة تتجدد مع كل شيخ يحكم الكويت من آل الصباح، وهذا ما أكدته المصادر والوثائق المحلية والعربية والأجنبية ومن ذلك ما ذكره فرانسيس واردن عن وصول العتوب وتقاسم السلطة مؤكداً ان آل الصباح تولوا الحكم، بينما تولى آل خليفة التجارة وتولى الجلاهمة شؤون البحر.
أما مؤرخنا عبد العزيز الرشيد والمقيم السياسي البريطاني في الخليج فلم يكتفيا بتأكيد ان الزعامة والحكم لآل الصباح بل نسبا بناء القلعة او الكوت الذي اخذت الكويت منه اسمها (وكوته صغير فسميت كويت بدلا من الكوت) فذكر الاستاذ عبد العزيز الرشيد (وقيل اسسه آل صباح انفسهم) وأشار بيللي ما ترجمته «ثم اقبل اول الشيوخ (الرئيس) بعد ذلك عبر خور بوبيان مع اتباعه، وحط الرحال على الخليج الذي يسمى الآن الكويت او القرين، وبعد ان عبر الخليج استقر على الشاطئ الشمالي وأقام قلعة او كوتا، ومن هنا اشتق اسم الكويت... أما كلمة القرين فتطلق عل الخط الساحلي للخليج بأكمله حتى المنحنى المكون من قرنين، ومنه جاء الاسم.
ونستشهد بدليل آخر هو ما جاء في تقرير الميجر كولبروك بتاريخ 10 سبتمبر 1820م والذي ذكر فيه ما ترجمته «وأول مستوطنة على رأس الخليج هي الكويت التي تقع على مرفأ صالح لرسو السفن ويقطنها خليط من العرب الخاضعين لآل الصباح وهم فرع من قبيلة العتوب (اخطأ في هذه العبارة فالعتوب ليسوا قبيلة) وتقوم على حمايتهم قلعة مزودة بعشرين مدفعا».
وبالرغم من ان كولبروك لم يتحدث عن باني القلعة، الا انه اعطى وصفا يختلف عن الوصف الذي ذكر عند المؤرخين الذين كتبوا عن القلعة دون ان يشاهدوها، فهي بناء على شكل قلعة حصينة مزودة بعشرين مدفعا ما يؤكد أن الكويتيين هم بناة الكوت، وانهم اسسوه بشكل يناسب حاجتهم وكون الكويتيين خاضعين لآل صباح كما ذكر فهذا يعني ان صباح الاول هو باني القلعة.
وما اعتمدناه بهذا الخصوص لا يعني اننا ننكر حماية بني خالد التي استظل بها العتوب حتى اثناء الرحلة حين استقرارهم الموقت في الزبارة في قطر تحت حكم آل مسلم واستمرت حماية بني خالد للعتوب حين استقروا في الكويت، فقد كانوا قادرين على توفير الحماية للطرق التجارية والمستوطنين الجدد الذين اصبحوا كويتيين، هم ومن استقر في الكويت قبلهم من قبيلة العوازم الذين بايعوا صباح الاول، والكويتيين جميعا اشتغلوا بالتجارة ونقل التجارة والافراد بحرا وبرا.
أما ما يذكره الاستاذ احمد عن الغانم والقطامي الذين ينتمون لآل زايد، فهم ينتسبون الى قبيلة عنزة كذلك وهم مجموعة العتوب المهاجرة من موطنها الاصلي مرورا بعدة اماكن حتى استقرت في الكويت.
وعن المعارك التي خاضها العتوب فكانت اثناء رحلتهم ودافعوا عن انفسهم في مواجهة آل مسلم عندما أوقع والي البحرين الفارسي بينهم بقوتهم الذاتية، ثم متحدين مع آل مسلم في مواجهة الهولة (والاخيران عرب يقطنون بر فارس وهم حوله ولكن الفرس لا ينطقون حرف الحاء) وأخيرا متحدين مرة اخرى مع آل مسلم في مواجهة والي البحرين الفارسي وانتصروا عليه... وأول معركة بعد تأسيس الكويت كانت معركة الرقة في مواجهة بني كعب وشارك فيها الكويتيون جميعا وحققوا النصر بإبائهم وتضحياتهم وحكمة حكامهم، وكان ذلك في عهد الشيخ عبد الله بن صباح حيث كانت حيلة بني كعب لتحقيق اطماعهم في الكويت خطية ابنة الشيخ مريم التي وقفت تحث القوات الكويتية على الاستبسال، لذا اصبح ابناء آل صباح ينتخون بعبارة (أنا أخو مريم) ويلقبهم الآخرون بإخوان مريم... وتفصيل المعركة في كتابي (الكويت حضارة وتاريخ).
وحول هجرة آل خليفة من الكويت فلم تكن بسبب تولي صباح الاول الحكم، بل بسبب تعديات بني كعب كما ذكر الشيخ عبد الله بن خالد، الذي يرأس مركز الوثيقة في مملكة البحرين الشقيقة الى جانب عدة مراكز قيادية اهمها منصب نائب رئيس الوزراء... وتتفق روايته مع ما ذكره مؤرخونا المحليون والعرب، الى جانب ما ذكره فرانسيس واردن من ان الهجرة تعود الى الطموح والرغبة في تحقيق مزيد من المكاسب كونهم تولوا التجارة.
ولم تؤد هجرة آل خليفة الى الزبارة اولا ثم فتحوا البحرين الى خلاف بين آل صباح وآل خليفة، بل استمر التعاون والمشاركة في كل ما يتعرض له احدهما فساهم الكويتيون في فتح البحرين بعد معركة الزبارة التي كانوا على غير علم بها... واستمرت اواصر القربى والمصاهرة بين الاسرتين الكريمتين، فكان الزواج الاول حين توفي الشيخ خليفة في الكويت قبل الهجرة فربى الشيخ صباح ابنه وزوجة ابنته.
وكان الزواج الثاني حين تزوج احد ابناء آل خليفة واسمه خليفة من حبابة ابنة الشيخ صباح الثاني اخت الشيخ محمد والشيخ مبارك وأنجبت منه سعود وهيا ولكنهما لم يعمرا، ثم تزوجت الشيخ جابر الفاضل جد الشيوخ جابر خالد الجابر وزير الداخلية وابراهيم دعيج الابراهيم الفاضل محافظ الاحمدي وإخوانهم وأخواتهم.
وبعد كل ما قدمته من ايضاحات تتعلق بما جاء في مقالة السيد احمد حمود الدويهيس وكذلك على ما جاء في تعليق الاستاذ الباحث والكاتب عبد الله الهران اللذين يبدو انهما لم يقرآ مقالتي اللاحقة للمحاضرة التي ألقيتها في اليرموك وأفردتها لقبيلة العوازم الكريمة وعن استقرارهم في الكويت قبل وصول العتوب اليها، وتكوين الكيان السياسي الكويتي وانهم اندمجوا مع المستوطنين الجدد وبايعوا صباح الاول واستمروا على ولائهم لآل الصباح، وساهموا في تنمية الكويت وقدموا التضحيات من اجلها، وكانت شهاداتهم لمواقع حضورهم في بوبيان وغيرها من المناطق الشمالية، وانها رخصت لهم من عبد الله بن صباح الاول جد الشيخ مبارك السور الذي يؤكد تبعية هذه المناطق للكويت وكان ذلك عندما قام الكولونيل نوكس اول معتمد سياسي بريطاني في الكويت عام 1908م بمسح لحدود الكويت امام توجهات الدولة العثمانية لتوسع حدود البصرة التابعة لها بشكل كامل على حساب الكويت التي عقدت معاهدة حماية مع بريطانيا في 23 يناير 1899م، وسجلت هذه الشهادات بأسماء اصحابها في موسوعة عن الحدود ستصدر قريبا إن شاء الله وأبرزتها في المقالة المشار اليها لأبين للإخوة العوازم انني لا أبخسهم حقهم في قول الحق فأنا اعلم ان التاريخ امانة ومسؤولية لا اقبل التفريط بها، فأكتب ابحاثي اعتمادا على الادلة الوثائقية التي لا يرقى اليها الشك والادلة المادية... وأملك الشجاعة الادبية لقول الحق ولو كان على حساب اقرب الناس لي فشرف انتمائي لأسرة الصباح لا يمنعني من قول الحقيقة التاريخية، ولا اقبل ان اظلم احداً بإخفاء حقيقة تتعلق ببذوره في تاريخ الكويت، الا ان التشكيك من البعض في محاولة لإظهار معرفة او لإضافة دور لقبيلته عن طريق الكتابة والنشر ما يدعوني للرد لن يكون في صالح من كتبت عنهم لا سيما اذا كان في محاولة الاضافة دور لم يكن صحيحا لقبيلته بدافع الحماس، او غيره وسيفقدهم المصداقية التي نحرص عليها جميعا.
والله الموفق والمستعان على ما نقول.
*عميدة كلية الآداب
رئيسة الجمعية التاريخية الكويتية
رئيسة مكتب الدراسات التاريخية في جامعة الكويت