ديبلوماسيون أوروبيون في واشنطن سمعوا من الأوساط الروسية تفاصيل الحوار الذي دار بين الزعيمين
بوتين عرض على ترامب وساطة مع إيران
وسط العاصفة السياسية التي أثارتها تصريحات الرئيس دونالد ترامب أثناء المؤتمر الصحافي الذي تلى لقاءه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، اعتصمت مصادر الإدارة الأميركية بالصمت التام حول ما دار في لقاء القمة والخلوة بين الرجلين. لكن مصادر ديبلوماسية أوروبية في العاصمة الأميركية سمعت من الأوساط الروسية بعض تفاصيل الحوار الذي تزعم موسكو أنه دار بين الزعيمين.
وكانت مصادر البيت الأبيض شرحت أن ترامب كان ينوي مقايضة سلسلة من التنازلات الأميركية لروسيا، بما فيها الاعتراف بروسية شبه جزيرة القرم الاوكرانية، وبمصالح روسيا في سورية، وبالعمل على رفع العقوبات الأميركية المفروضة على موسكو، مقابل طلب أميركي وحيد يقضي بانضمام الروس إلى الأميركيين في محاصرة الحكومة الايرانية.
إلا أن كل التنازلات التي اعتقد ترامب أنه سيقدمها إلى بوتين، يبدو أن الرئيس الروسي رفض التحدث بها، إذ هو اما اعتبرها حقوقاً روسية لا شأن لأميركا بها، وإما اعتبر أنها ليست تنازلات بل للاميركيين مصلحة فيها.
حول القرم، اعتبر بوتين إن لا صفة للولايات المتحدة للاعتراف بشرعية «انضمامها» إلى روسيا. وتقول المصادر الأوروبية ان بوتين يرفض استخدام كلمة «ضم»، ويصرّ بدلاً منها على كلمة «انضمام»، إذ ان ضم تفيد أن روسيا هي التي قامت بعملية الضم، فيما الانضمام هو قرار اتخذه سكان القرم في استفتاء شعبي طالبوا فيه الانضمام إلى روسيا.
اما عن العقوبات الأميركية على روسيا، تنقل المصادر الأوروبية عن نظيرتها الروسية القول ان بوتين استعرض امام ترامب دول العالم، والحكومات، ورجال الاعمال، ممن يتهافتون على السوق الروسية، وان العقوبات الأميركية على روسيا لا تؤثر على موسكو، بل هي بمثابة عقاب للشركات الأميركية، الممتعضة من بقائها خارج المنافسة على السوق الروسية، حسب بوتين.
ختاما في الموضوع الإيراني، حاول ترامب اقناع بوتين بمدى خطورة الايرانيين على السلام العالمي وعلى مصالح كل من أميركا وروسيا، وحاول اقناع بوتين بالسيطرة على سورية مقابل طرد الميليشيات الموالية لإيران فيها. الا ان عرض ترامب كان لاقى تشكيكاً من ابرز الخبراء والمسؤولين السابقين الأميركيين، حتى قبل القمة، اذ كتب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس السابق ديك تشيني مقالة في «فورين بوليسي»، لفت فيها إلى ان روسيا استولت على سورية رغماً عن أميركا، وان التقاعس الأميركي، بما في ذلك اصدار ثلاثة انذارات ضد العملية العسكرية التي استعادت فيها قوات الرئيس السوري بشار الأسد مناطق الجنوب، من دون قيام أميركا بأي ما من شأنه التصدي لخرق منطقة «خفض التصعيد» التي كان متفقاً عليها العام الماضي، هي عملية ثبت لبوتين ان أميركا تسعى للخروج من سورية اصلاً، وان روسيا استعادت سورية بقوتها، وانه لا يمكن لأميركا أن تفاوض على سورية بما أن سورية ليست في أيدي الولايات المتحدة.
وبدلاً من أن يقنع ترامب بوتين بالانضمام للجبهة الأميركية ضد إيران، عرض أن يلعب دور الوسيط بين ترامب وطهران. وحاول بوتين اقناع ترامب بأهمية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية مع إيران، وتفادي تطبيق العقوبات، التي عاد جزء منها في وقت سابق من هذا الشهر، فيما ينتظر الجزء الثاني أن يدخل حيز التنفيذ في نوفمبر.
هكذا، خرج ترامب خالي الوفاض من لقائه بوتين، فلم ينجح في ترغيب بوتين بالانضمام للجبهة الأميركية ضد إيران، مقابل تنازلات أميركية ودولية لروسيا، ولم ينجح في تغيير أي من مواقف موسكو أو سياساتها الدولية، بل ان بوتين هو الذي طلب من ترامب أن يغير من سياسات الولايات المتحدة.
وفي المؤتمر الصحافي، اعتقد ترامب نفسه أنه توّج انعقاد قمة تاريخية خلّدت اسمه بين أسماء الرؤساء الأميركيين، إلا أن ردة الفعل الأميركية، من الجمهوريين والديموقراطيين، ضد ما اعتبره الأميركيون انحياز رئيسهم لبوتين ضد وكالات الاستخبارات الاميركية، أفسد آمال ترامب وأحلامه، وحوّلها إلى كابوس سياسي ما زال الرئيس الأميركي يبحث عن مخرج منه.
السبب الذي يحوّل ترامب، أحد أكثر الرؤساء الأميركيين المشاكسين، خصوصاً ضد الحلفاء، إلى تابع ودود تجاه بوتين، هو الذي يحير غالبية المعلقين الأميركيين، الذين اعتبروا أنه للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية، تكمن مشكلة «الأمن القومي» التي تواجهها البلاد في الرئيس نفسه.
ولم يسعف ترامب نفيه، ونفي بوتين، أنهما لم يتعارفا من قبل رئاسة ترامب، اذ راحت القنوات الأميركية تبث فيديوات مصورة قبل سنوات ظهر فيها ترامب وهو يتباهى بزيارته موسكو لتنظيم حفل «ملكة جمال الكون» هناك وبلقائه بوتين، الذي استقبله بحفاوة.
ومن الفرضيات التي قدمها معلّقون أميركيون اعتبارهم أنه على مدى العقد الماضي على الأقل، عمل ترامب كواجهة لتبييض الأموال الروسية. وفي تقرير من لندن، قدم الصحافي في شبكة «ام اس ان بي سي» ريتشارد انغلز تقريراً مفصلاً حول ملاعب الغولف الثلاث التي يملكها ترامب: اثنان في اسكوتلندا وواحد في ايرلندا.
وحاور انغلز خبراء قالوا إنه في بريطانيا، يجبر القانون رجال الأعمال على الكشف عن تفاصيل أعمالهم، وهو ما يظهر أن ملاعب ترامب تخسر الأموال بشكل مستمر، ما يعني أن ترامب يحتفظ بها لأسباب غير ربحية. ثم حاور انغلز المتعهدين ممن قاموا بأعمال ترميم لهذه المنتجعات التابعة لترامب، فقالوا إنهم تقاضوا كل الأموال من ترامب نقداً، وهو أمر يثير الاستغراب. كما نقل انغلز عن أحد أصدقاء أبناء ترامب قول الأخير إن عائلة ترامب لا تقترض من البنوك لأن كل أموالها هي نقدية من روسيا، وهو ما يؤكد نظرية عمل ترامب كواجهة لتبييض أموال روسية، وهو ما قد يفسر انصياعه لرغبات بوتين، الذي لم يخف سعادته في المؤتمر الصحافي، وقال انه «كان يرغب في رؤية الأميركيين ينتخبون ترامب».