الرئيس يعلن «براءته» وموسكو تتحدث عن «هراء» بعد اتهام 13 روسياً و3 كيانات بالتدخل في الانتخابات الأميركية
مولر «المُحنّك» يحاصر ترامب وفريقه بدل الانقضاض عليهم دفعة واحدة
أظهر روبرت مولر، المحقق الخاص في إمكانية تورط الرئيس دونالد ترامب بالتواطؤ مع الحكومة الروسية أثناء حملته الرئاسية قبل عامين، مهارة وحنكة سياسية كبيرة بتقديمه رابع دفعة من القرارات الظنية، اتهم فيها هذه المرة 13 مواطناً وثلاثة كيانات روسية بالتورط في التدخل بالعملية الانتخابية الاميركية.
وقبل إعلان القرار الظني، مساء أول من أمس، حمل مسؤولو وزارة العدل مسودة القرار إلى البيت الابيض لإطلاع ترامب عليه، الخميس الماضي، على اعتبار أن إدانة مواطنين من روسيا يدخل في سياق الأمن القومي الذي يجب إطلاع الرئيس عليه.
وبعد إطلاع ترامب على القرار، شن البيت الأبيض حملة ضد الهجمات الإلكترونية الروسية، وأصدر بياناً دان فيه هجوم «نوت - بيتيا»، الذي نفذه الجيش الروسي في يونيو من العام الماضي، حسب زعم الاميركيين.
وفي اليوم التالي، أعلنت وزارة العدل الأميركية أن التحقيق الذي يقوده مولر أصدر قراراً ظنياً بحق 13 روسياً وثلاثة كيانات بتهم انتحال شخصية أميركيين، وسرقة كلمات سر وهويات أميركيين، وتمويل حملات إعلانية وتظاهرات داخل الولايات المتحدة لـ«بث الفرقة» وتقويض الديموقراطية.
ومما ورد في القرار الظني أن مواطنين روساً سددوا أموالاً لأميركية تُشبه المرشحة الديموقراطية السابقة هيلاي كلينتون، ولأميركي طلبوا منه بناء قفص يشبه السجن لوضع شبيهة كينتون داخله وتصويرها.
وعلى عكس الانطباع العام، لم تكن الحيل الروسية تجري سراً، إذ يبدو أن مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) كان يتجسس على ما يقوم به عملاء روسيا في أميركا. وكشف القرار مراسلات عبر البريد الالكتروني يقول فيه أحد العملاء الروس لعائلته في روسيا ان «اف بي آي» اكتشف العملية، وأنه مشغول جداً لأنه يمضي وقته في محاولة لتغطية أي آثار ممكن أن يقتفيها الاميركيون.
كما تطرق القرار الظني إلى ما يعرف بـ «مزرعة وكالة أبحاث الانترنت» التابعة للاستخبارات الروسية، ومقرها في مدينة سانت بطرسبورغ، وإلى نشاطات هذه الوكالة في إدارة 31 ألف حساب مزيّف على مواقع التواصل الاجتماعي، بتصرف أصحابها وكأنهم من المواطنين الأميركيين، وجعلهم يدلون بآراء تتعلق بالشؤون الداخلية الاميركية.
وعلّق وكيل الوزارة العدل رود روزنستاين، الذي يتعرض لحملة قاسية من الجمهوريين، (وهو أعلى سلطة في الوزارة مولجة بالإشراف على تحقيق مولر)، بالقول إن القرار الظني لم يطل أي مواطن أميركي، ولم يعتبر أن التدخل الروسي أدى إلى التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت ترامب للبيت الأبيض.
وعلى الفور، علّق ترامب في تغريدة أعلن فيها براءته بيد أنه أقرّ بالتدخل الروسي الذي كان قد نفاه مراراً. وقال إن التحقيق أظهر أن الروس باشروا تدخلهم في العام 2014، أي قبل سنتين من إعلان ترامب ترشحه للرئاسة، وهو ما يعني براءة الرئيس. وتزامناً، أصدر البيت الابيض بياناً تضمن رسالة مشابهة، مع دعوة الأميركيين لإقفال الملف، والوحدة ضد العدو الروسي.
لكن القرار الظني حمل في طياته الكثير مما دان ترامب وتصريحاته السابقة، فالرئيس الاميركي سبق أن أصرّ على أن روسيا لم تتدخل، وأن الاختراقات الالكترونية قد يكون نفذها ولد يزن 100 كيلوغرام مع جهاز كمبيوتر في غرفة نومه. ثم راح ترامب يكرر أن التحقيق هو بمثابة «صيد ساحرات» يستهدفه سياسياً، وشدد على أن لا تواطؤ بينه وبين حملته، من ناحية، وبين موسكو، من ناحية ثانية.
القرار الظني الصادر، أول من أمس، كان الرابع من نوعه، بعد توجيه التهم إلى أربعة من مستشاري الرئيس ممن سبق أن عملوا في حملته الانتخابية أو في إدارته.
وجاء في القرار الاخير أن الروس اتصلوا بأميركيين، وأن الاميركيين قد يكونوا تعاونوا معهم ربما من دون معرفة هوية هؤلاء الروس، وهو ما يبقي الباب مفتوحاً لقرار ظني جديد يتهم أميركيين بالتواطؤ. كما أورد القرار ما مفاده أن هدف التدخل الروسي كان لضرب بعض المرشحين، مثل «الديموقراطية» كلينتون والجمهوريين ماركو روبيو وتيد كروز، ولدعم الجمهوري ترامب والديموقراطي بيرني ساندرز.
ويظهر إصدار القرار الظني على دفعات حذاقة مولر، الذي يبدو أنه بات يُحاصر ترامب وفريقه، بدلاً من الانقضاض على الكل دفعة واحدة. وبصدور قراره الأخير، فتح مولر الباب أمام ترامب للتراجع عن مواقفه السابقة التي نفى فيها وجود تدخل روسي في الانتخابات الاميركية.
كذلك، أجبر قرار مولر إدانة مواطنين روس من دون أميركيين ترامب على اللحاق بالقرار الظني، وتبنيه وإنْ على مضض، والإشادة بالتحقيق. ثم حاول ترامب اقتناص الفرصة للإيحاء وكأن التحقيق وصل خاتمته من دون إدانته، وهو ما يعني براءة الرئيس.
على أن مولر، الذي أفاد من مديح ترامب، لا يبدو أنه على وشك ان ينهي تحقيقه، بل يبدو أنه مايزال في منتصف عملية تعرية المتورطين وإدانتهم، الواحد تلو الآخر.
وفي رد فعل سريع من جانب روسيا، أعلن الكرملين أنه لم يتلق أي معلومات رسمية عن لائحة الاتهام الأميركية، فيما وصفت وزارة الخارجية الروسية الاتهامات الأميركية بأنها «سخيفة» و«هراء».
بدوره، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، إن كل ما يقال عن تأثير موسكو على الانتخابات الرئاسية الأميركية «هراء».
تعديلات على تصاريح دخول البيت الأبيض
واشنطن - ا ف ب - أمر كبير موظفي البيت الأبيض بإجراء تعديلات على إجراءات منح أذون الدخول الى موقع أهم أسرار البلاد، وذلك بعد ان تمكن أحد كبار الموظفين من العمل لأشهر من دون تصريح أمني كامل.
واقترح جون كيلي، الجنرال السابق في قوات «المارينز»، سلسلة من التعديلات التي تهدف لفرض قيود على منح التصريحات الأمنية الموقتة، لكن يبدو انها تهدف أيضاً لمنع تكرار فضيحة روب بورتر.
وقد استقال المساعد بورتر الذي كان يتمتع بحرية الوصول يومياً إلى المكتب البيضوي ويطلع على وثائق بالغة السرية، إثر اتهامات بأنه كان يضرب زوجتيه السابقتين.
وكان مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) على علم بالاتهامات منذ أشهر وأبلغ البيت الأبيض، لكن بورتر ظل يتمتع بحرية الوصول الى أسرار الدولة ولقاءات حساسة.
وبين التعديلات التي يريدها كيلي، بذل الجهود لإعطاء الأولوية لأكثر القضايا إلحاحاً وتحسين تشارك المعلومات بين «اف بي آي» والبيت الأبيض.
والاجراءات على ما يبدو تمثل تهديدا محتملا لمكانة صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره الخاص جاريد كوشنر الذي يحمل تصريحاً موقتاً.
بريغوجين: إذا أرادوا أن يرونني شيطاناً فهذا شأنهم
شُبهات كبرى حول دور «طبّاخ بوتين» في إيصال ترامب إلى البيت الأبيض
واشنطن - وكالات - على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يرد فيها اسمه بالتحقيق في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن يفغيني بريغوجين الشهير بلقب «طباخ بوتين»، بات متهماً بشكل رسمي بقيادة تدخل موسكو في الانتخابات التي أوصلت الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض العام 2016.
ووجه المحقق الخاص روبرت مولر، أول من أمس، اتهامات إلى 13 مواطناً روسياً بالتآمر للاحتيال على الولايات المتحدة والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتركيز نشاطهم في ولايات كانت متذبذبة بين ترامب والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.
وبعيداً عن جدل التحقيق الذي لم ينته بعد، إلا أن ورود اسم بريغوجين باعتباره متهماً رئيسياً، للمرة الأولى، يسلط الضوء على شخصية الرجل الذي ورد اسمه أيضاً بالتدخل الروسي في سورية وأوكرانيا، ووضعته وزارة الخزانة الأميركية خلال العامين الماضيين على لائحتي عقوبات.
ودور بريغوجين، حسب ما ورد في لائحة الاتهام، يتلخص بأن شركة «أبحاث الإنترنت» التي مولها قادت «عملية مذهلة أطلقت في العام 2014 لمحاولة إحداث انقسام اجتماعي بالولايات المتحدة، والتأثير في السياسة الأميركية، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية العام 2016».
ويؤيد تقرير بثته شبكة «سي إن إن» في أكتوبر من العام الماضي ما ورد في لائحة الاتهام، إذ كشفت أنها اطلعت على وثائق مسربة من شركات بريغوجين تؤكد أنها موّلت «تقارير زائفة» جرى بثها على منصات التواصل واطلع عليها عشرات الملايين من الأميركيين.
كما مول بريغوجين الإعلانات التي تدخلت بالانتخابات، ومن ضمنها عقد تمويل وكالة أبحاث الإنترنت، وطرق مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث والترويج الآلي.
والمثير، حسب «سي إن إن»، أن لدى شركة بريغوجين (التي وصلت موازنتها في 2013 إلى مليون دولار شهرياً)، قسماً اسمه «قسم الاستفزازات»، مُختص بنشر الأخبار التي تثير الانقسامات في الغرب، وكيفية اختلاق الأخبار لتحقيق الأهداف التي تحددها.
وتورد لائحة الاتهام أن بريغوجين، الحليف المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قاد العام 2016 مجموعة من مئات الأشخاص تناوبوا على العمل بميزانية قدرت بملايين الدولارات، ركزت على تعزيز حملة ترامب وتحقير منافسيه، وبينهم هيلاري كلينتون.
وقدم أعضاء هذه المجموعة أنفسهم كمواطنين أميركيين على منصات التواصل في «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«إنستاغرام»، ناشرين محتوى وصل إلى «أعداد كبيرة» من الأميركيين.
وحسب الاتهام، كانت المجموعة على اتصال بعدد من الأشخاص في حملة ترامب «عن غير قصد»، وكان لديها «هدف إستراتيجي أوسع لزرع الشقاق في النظام السياسي الأميركي».
وهذا المحتوى الذي أنتجته المجموعة أعاد نجلا ترمب دونالد جونيور وإريك نشره على «تويتر»، وكذلك مسؤولون كبار في حملة الرئيس وأشخاص من داخل دائرته الضيقة.
واستخف بريغوجين بالاتهام الموجه إليه، حسب وكالة «ريا نوفوستي» الروسية، قائلاً إن «الأميركيين أشخاص حساسون جداً، يرون ما يريدون أن يروه، وأنا لدي احترام كبير لهم، أنا لستُ غاضباً على الإطلاق لوجودي في اللائحة، إذا أرادوا أن يروني شيطاناً فهذا شأنهم».
وعلى الرغم من أن بريغوجين معروف بكونه يدير شركة تعمل لصالح الكرملين وتتعهد بإعداد الطعام خلال حفلات الاستقبال فيه، فإن وسائل إعلام أميركية وروسية نشرت تقارير عن علاقة الرجل الخاصة ببوتين، لا سيما أنهما ينحدران من مدينة سان بطرسبورغ.
وبات الرجل حديث وسائل إعلام روسية وغربية عدة، لا سيما أنه أصبح من أصحاب المليارات في روسيا خلال سنوات قليلة، بعد أن تحول من «متعهد مطابخ» للجيش الروسي إلى «متعهد حروب خاصة» كان له دور في الحرب الأوكرانية وانتقل الآن إلى دور لافت في الحرب بسورية.