No Script

ببساطة

الأحزاب ضرورة وليست خطراً!

تصغير
تكبير

في جميع دول العالم المتقدمة التي يضرب فيها المثل في الديموقراطية والحريات، نجد بأن هناك تنظيماً للعمل السياسي من خلال وجود أحزاب ونظام انتخابي عادل تعكس نتائجه واقع المجتمع ورغبة غالبية المواطنين، وهذا الأمر ليس جديداً بل هو من بديهيات العمل السياسي فهذا النظام معمول به في تلك الدول منذ مئات السنين، ولم يكن هذا الأمر خافياً على سياسيي الكويت، فعند كتابة دستور الكويت قبل أكثر من نصف قرن كانت المادة 43 تنص على حرية تكوين الهيئات السياسية بمعنى الأحزاب، لكن الحكومة حينها رفضت إقرار الدستور وأصرت على إزالة كلمة (الهيئات) من تلك المادة لتقبل بمرور بقية مواد دستور 62، وهكذا فُرض علينا أن نعيش الفوضى السياسية حتى يومنا هذا!
رغم تنازل أعضاء المجلس التأسيسي عن كلمة الهيئات في سبيل إقرار بقية المكتسبات الدستورية، إلا أنهم لم ييأسوا من إعادة الأمور إلى نصابها، فكان الأمل في مجلس 1967 بحيث يتم تنقيح الدستور في ذلك المجلس لمزيد من الحريات واستكمال عملية بناء الديموقراطية الكويتية من خلال التحول للنظام البرلماني مكتمل الأركان بدلاً من المزج بين النظام الرئاسي والبرلماني كما هو الحال، لكن الحكومة حينها استخدمت التزوير لمنع وصول النواب الوطنيين لتعطيل تنقيح الدستور على أساس ديموقراطي، ومن يفتح كتب التاريخ يعرف تماماً ما حدث في تلك الانتخابات من تزوير بصورة فجة أدت لاستقالة عدد من النواب الفائزين في تلك الانتخابات المزورة ومقاطعة آخرين لذلك المجلس... وهكذا بدأ الهجوم على العمل الديموقراطي الذي لما يستكمل حتى يومنا هذا.
منذ ذلك الحين والقوى السياسية الوطنية تحاول وتعمل من أجل تنظيم العمل السياسي عبر إقرار قانون ديموقراطي لإشهار الأحزاب وقانون انتخاب عادل يحوّل العملية الانتخابية إلى عملية سياسية حقيقية، فالدستور لم يمنع إشهار الأحزاب بل ورد في المذكرة التفسيرية للمادة 43 النص التالي: «فالنص الدستوري المذكور لا يلزم بحرية الأحزاب ولا يحظرها، وإنما يفوّض الأمر للمشرع العادي دون أن يأمره في هذا الشأن أو ينهاه»، أي أن مجلس الأمة هو المخوّل بإقرار قانون الأحزاب من عدمه، كما ورد كذلك في المذكرة التفسيرية للمادة 56 التي تتحدث عن المشاورات التقليدية التي تسبق تعيين رئيس مجلس الوزراء النص التالي: «هي المشاورات التي يستطلع بموجبها رئيس الدولة وجهة نظر الشخصيات السياسية صاحبة الجماعات السياسية»، فمن هي الشخصيات السياسية صاحبة الجماعات السياسية؟ أليس هذا نص دستوري صريح يعترف بوجود الأحزاب أو الجماعات السياسية؟
نأتي الآن على السبب الرئيسي لكتابة هذا المقال، وهو ما ورد في كتاب المجلس الأعلى للقضاء في رده على استفسار لجنة الشؤون التشريعية في مجلس الأمة حول اقتراح بقانون لتنظيم الهيئات السياسية، حيث ذكر بأنها خطر على الحكم الديموقراطي وإنشاؤها يهدد وحدة الوطن ولا سند دستورياً لقيامها... فأعتقد أن هذا الرأي غير ملزم، فلا سند دستورياً للرقابة القضائية المسبقة على التشريعات بل هناك رقابة لاحقة عبر المحكمة الدستورية، كما أعتقد بضرورة أن ينأى المجلس الأعلى للقضاء بنفسه عن الصراع السياسي، فقانون الهيئات السياسية ليس ذا صلة بالمرفق القضائي، بل هو قانون سياسي خصت به المذكرة التفسيرية للدستور المشرع وحده فقط، كما أنني متيقن أن وجود الأحزاب أصبح ضرورة ملحة لتنظيم العملية السياسية، فبديل الأحزاب السياسية هو ما نشهده اليوم من تنظيم للفرعيات القبلية والتكتلات العنصرية ونشاط سياسي وانتخابي ونيابي فردي، وهذا هو الخطر الحقيقي على المجتمع والديموقراطية!

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي