No Script

رؤى

محطات الانتظار

No Image
تصغير
تكبير

من يقرأ هذا العنوان تأخذه أفكاره للوهلة الأولى بلا شك إلى الحافلات المزدحمة وصالات السفر، حيث تكتسي بالأحاديث والسير التي تعلو وتنخفض على موجات متعددة وأنغام متضاربة، وهدوء لا يلبث أن يبدأ حتى لاينتهي ولا يكل.
هذه المحطات المادية التي تحيطنا في الحل والترحال بألوانها وتشعب طرقها وتفاصيلها الملونة، تحمل لنا الكثير بطبيعة الحال، فيظل كثير منها في مستودع القلب راسخة،بل محفورة في ذواتنا بصور متعاقبة متصلة بالمواقف والسلوكيات بصورة عميقة.
فنحن ما أن نستقل وسيلة من هذه الوسائل حتى تدهشنا المواقف وتصطف أمامنا القصص، فنضحك على بعضها ونتعاطف مع أغلبها ونبحر في أعماق أغلبها، لنتفكر ونتمعن لماذا حدث ذلك وكيف ؟ وأسئلة غير منتهية تصيبنا بالغباء أحيانا وبالجنون دائما.
أتذكر باستمرارعندما ركبت حافلة الجامعة للمرةالأولى، قبل عدة سنوات من الآن فحملت اسم طالبة جامعية في السنة الأولى، أتذكر حينها كيف كان مخي مشوش الرؤى، وشكلي طفوليا جدا، وتساؤلاتي متدفقة بين فنية وأخرى،فبدا الأمر لي بعدها، أنها وجهتي الأولى نحو عالم جديد ورحلة مضنية مليئة بالتحدي والغموض، فالمغامرات التي رسمتها على زجاج نافذة الحافلة في ذلك اليوم، أكدت لي أن الأمور بالنسبة لي ليست باليسيرة، بل إنها حقا خطوة عن ألف خطوة.
هذه الخطوة التي خطوتها في كليتي،سارت بي في درب مليء بالبحث الدؤوب عن أجوبة ابن خلدون ونظريات ابن سينا وغيرهما على رصيف العمر الذي ابتدأ من المقعد الأول الذي جعلته خليلي عند اشتداد مواسم القحط الجامعي بالنسبة لي، ذلك المقعد الذي دون فصولا من المعاناة وسطورا من الأمل وأحاديث من الراحة.
تلك الأمتعة التي تركتها ورائي، بل نحن جميعنا من نتركها في كل مكان وزمان نقضيه في بقعة نعيش فيها لحظة من الزمن أو ربما حقبة من العمر، بكل أحداثها التي تربكنا وتعيد اعمارنا من جديد بحيثيات لا يمكن أن تخطر على بالنا أو نتصور أن تحدث لنا في يوم من الأيام، حتى اننا عندما نعيد سجل ذاكرتنا للوراء تأخذنا الدهشة ونرجع نعيد التساؤلات على أنفسنا أيعقل أن حدث ذلك؟
كلنا نرسم خطوات ما إن نلج هذا الكون الفسيح، حاملين أمتعة كثيرة وخبايا ثمينة، ولكن تبقى الخطوات متغيرة والمحطات مختلفة والروايات متنوعة، كيف لا وكل فرد فينا غني بفكره لا بشكله أو لونه، وكما قال مالك بن نبي: «لايقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء بل بمقدار مافيه من أفكار»، فلون محطاتك قبل أن ترحل عنها بحب وعطاء لا يخفى وبألق لا يشابه غيره، لتكون كل محطات انتظارك مضيئة مشعة وحتى وإن تركتها لغيرك.

* كاتبة بحرينية

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي