No Script

خواطر صعلوك

مريم لا تريد أن تنجب أطفالاً!

تصغير
تكبير

كلّمتني إحدى الأمهات الفاضلات عن مشكلة تواجهها مع ابنتها... وسنطلق على ابنتها اسم مريم من أجل التمويه.
مريم فتاة مثقفة وسعيدة في حياتها، ولدت في عام 1988، وتردّد بين أهلها وأصدقائها دائماً أنها لا ترغب في إنجاب الأطفال لأسباب عدة، ليس من بينها ترهل الثديين أو الرضاعة الطبيعية، وليس من بينها أنها ترغب في قضاء وقت أكبر مع شريك حياتها، وليس من بينها أن آباء اليوم لم يعودوا على قدر من المسؤولية، ولكن أسبابها تتعدى ذلك بكثير.
تعتقد مريم أنه ينبغي لنا أن نجد آلية ما تأخذ بعين الاعتبار سؤال الأطفال أنفسهم حول رغبتهم المجيء إلى هذا العالم أم لا؟! وأنه في ظل انتشار الأطمعة المعدلة جنينياً، والتلوث البيئي والاحتباس الحراري، والانبعاثات الكربونية الناتجة عن زيادة فرد آخر على الـ7 مليارات نسمة الموجودة الآن، والحروب البيولوجية والنووية والاقتصادية، والحروب على المياه والممرات المائية، وثقب الأوزون وتسابق الأسلحة وحرب الفضاء... في ظل كل ذلك ألا ينبغي علينا أن نأخذ موضوع الإنجاب بجدية تتعدى رغبتنا الشخصية في الأمومة والأبوة، وأن نضع في اعتباراتنا ما إذا كانت معايير الحياة التي نعيشها الآن جيدة بما يكفي لتجعل قرار مثل «الإنجاب» بلا إشكاليات؟
ومحلياً، فإن وضع البلد من سيئ إلى أسوأ، نسير بلا رؤية واضحة، وضجة مفتعلة دائماً، وتناحر وصراعات وإهمال للتعليم، وعدم تطبيق للقانون.
أما عالمياً، فهل ترغب فعلاً في أن تجلب إلى الحياة شخصاً يستمع إلى خطابات ترامب، ويعاني من معدلات الاكتئاب المرتفعة، ومنافسات شركات الأدوية، ورغبة عالمية في جعل الحواسيب أكثر ذكاء من الإنسان، وارتفاع في معدلات خطابات الكراهية والعنف، ومعدلات الضجر والملل والبحث عن المعنى، ورغبة جامحة في البقاء في «الحمام» مع الهواتف الذكية بدلاً من مشاركة العالم أشكال التواصل!
عزيزي القارئ... اختصاراً للمقال لن أسرد كل أسباب مريم، ولكنها تدور كلها في دائرة واحدة، وهي الخوف من المستقبل بناء على معطيات الحاضر، وحس عال في حق الأطفال أن يعيشوا في عالم مُعد من أجلهم وليس مُعداً للقضاء عليهم.
عزيزتي مريم السعيدة بحياتها والمولودة عام 1988م، أتمنّى أن يقع هذا المقال تحت عينك.
أولاً إن السنة التي ولدتِ فيها كانت سنة «كبيسة»، وعند خروجك إلى العالم كان الاتحاد السوفياتي يترنح وعلى وشك الانهيار، وحرب إيرانية - عراقية، وروسية - أفغانية، واشتباكات دائمة «فلسطينية- إسرائيلية»، وحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وحرب أخرى بين إثيوبيا وإريتريا، واختطاف طائرة كويتية، وحادثة طائرة لوكربي، وأعمال شغب ومظاهرات في الجزائر وسلوفاكيا ومذابح في الهند وباكستان وعند الأرمن، وتأسيس تنظيم القاعدة، وكوارث بيئية مثل رمي 4000 طن من النفايات السامة في المحيط الأطلسي، وكارثة بيبكون في هندرسون في ولاية نيفادا، وهجوم كيميائي على الأكراد، وأول يوم عالمي للإيدز، وأول ظهور لمشكلة التغير المناخي والاحتباس الحراري، وفوز منتخب هولندا بكأس أمم أوروبا، ووفاة قارئ القرآن العظيم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والاستماع إلى خطابات معمر القذافي!
عزيزتي مريم... ها أنت فتاة رائعة ومثقفة وتعيشين حياة سعيدة، رغم كل هذا الأسى في سنة مولدك فقط، فتخيلي ماذا حدث بعد سنتين مثلاً؟
ولا ينقصك أي شيء سوى أن تهوني عن نفسك من حمل ثقل العالم على كتفك وعلى كتفك أبنائك القادمين، الذين تحرمينهم أيضاً من أن يخوضوا كل التجارب ويتفاعلوا ويتشكّلوا كما تشكلتِ، ليس وفق الأفكار التي في رأسك، بل وفق قراراتهم... فحق الحياة للجميع... والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون، وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

قصة قصيرة:
* تُرى ما الذي يجعل اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين ينجبون مزيداً من الأطفال، رغم كل ما يمرّون به من كوارث؟
- لأنهم شعوب علّمتهم حضاراتهم أن حب الحياة والنماء ينتصر على العدم.

@moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي