حذّرت وحذّر غيري من العقلاء - المتابعين للواقع المأسوي الذي يعيشه المسلمون - من جريمة إبادة إنسانية سيتعرض لها مسلمو العراق وسورية السنّة، منذ أن طفت «داعش» على سطح الواقع بشكل مفاجئ، وصدقت توقعاتنا، لكن أهلنا هناك لم يتنبهوا لإجرام هذه العصابة، التي صبت كل مصائبها على أهل السنة في العراق، ثم سورية، وهي ترفع شعار الدفاع عن الإسلام، وفي تقديري فإن داعش - كما كتبت في مقال سابق - يمكن وصفها بأنها أذكى عملية استخباراتية قذرة استُخدم فيها شعار الإسلام لذبح المسلمين وتشريدهم واستباحة أرضهم، لتغيير الواقع لصالح إيران وحلفائها في سورية والعراق ولبنان واليمن، وبتغطية إعلامية ومساندة عسكرية ودعم استخباراتي أميركي وصهيوني، وإن كان الخداع الإعلامي والسحر «الصهيوصليبي» يسعى جاهداً لطمس هذه الحقيقة المرّة، واستخدام لغة أخرى استطاع من خلالها ترسيخ مفهوم الإرهاب، الذي يريده في عقول العالم وجعل المسلمين إرهابيين.
بعد كل الجرائم التي ارتكبها داعش في حق المسلمين في العراق وسورية، ومن تعايش معهم من قرون من أصحاب ديانات أو إثنيات، واستجلاب الميليشيات الانفصالية الطائفية من الحشد الشعبي وميليشيات الكرد القومية لتهجير وقتل المسلمين، اتخذ تنظيم داعش من منطقة الباغوز مقراً له، وهي التي يقطنها الآلاف من المدنيين المقدر عددهم بنحو 45000 مدني مسالم، ينحدر معظمهم من مناطق دير الزور وريف حمص الشرقي، بالإضافة إلى أشخاص غير سوريين معظمهم من العراقيين، الذين هربوا من ميليشيات الحشد الطائفية بعد انحسار المعارك في العراق.
استولى على الباغوز نحو 1500 داعشي، هم مجموع المقاتلين الموجودين هناك، ليكونوا ذريعة لإهلاك أهلها بحجة محاربة التنظيم المجرم، وليكون انتصاراً انتخابياً لترامب الذي يواجه مطالبات داخلية عدة، لإقالته أو لضمان خسارته في الانتخابات المقبلة.
بعيداً عن كل الحسابات اللاإنسانية - التي يخطط لها الإجرام «الصهيوصليبي» ضد أهلنا المسلمين في كل مكان - هناك حقيقة يجب على المسلمين إدراكها، وهي أن جرائم طيران التحالف الصليبي ضد المدنيين الأبرياء السنة في سورية والعراق، هي جرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية حسب قوانين الغرب، وهي ليست موجهة في حقيقتها تجاه الجرائم الداعشية، وإنما ضد أهلنا المسلمين تمهيدا لتغيير ديموغرافي وإشاعة الخوف في نفوسهم لئلا يطالبوا بحقوقهم المسلوبة، ولو كان المطلوب رأس تنظيم الشر داعش، فلماذا يتم استهداف المدنيين بقنابل محرمة دولياً أنتجت مئات الجثث المحروقة والمتفحمة لأطفال ونساء وشيوخ؟! ولماذا تم قطع الطريق البرية بقصفها وقصف كل هدف متحرك لمنع خروج المدنيين؟! ولماذا لم تطالب دولة مسلمة أو عربية واحدة بإيقاف هذه الجريمة ضد الإنسانية؟!
يا سادة
المسلمون اليوم يُقتلون لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم يشهدون: «أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»، بذريعة أنها مرتع لميلاد ونمو وتبني الإرهابيين، وكل الحجج التي يسوقها الأعداء أو المغفلون من أبناء جلدتنا للانتقام الوحشي من المسلمين هناك غير مبررة، والأنكى من حال القتل والتعذيب والتنكيل، منع المؤسسات الإغاثية من تقديم المساعدة للمنكوبين في الباغوز، ولا نملك في حال الهوان الذي وصلنا إليه سوى الدعوة لكل الأفراد والمجتمعات والمؤسسات معرفة الواقع وتشخيص الأعداء، وترتيب بوصلة الأولويات والتواصل والضغط على القيادات العليا بفعل المتاح والممكن، من أجل رفع الظلم والجرم الواقع على المنسيين من المنكوبين وتفويت الفرص على المزيد من استثمار خديعة الحرب على داعش، لتمرير أجندات ضخمة لا يتم تحقيقها إلا بارتواء الأرض من دماء الأبرياء، والدعاء بأن يغيّر الله حال أمتنا إلى العز والتمكين، وأن يرفع البلاء عن المسلمين في كل مكان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
@mh_awadi