سلاح غير شرعي... وسياسة واقتصاد

تصغير
تكبير

ماذا تنفع لبنان كلّ دراسات العالم من اجل تحديد افضل الطرق والوسائل للنهوض باقتصاده ما دامت هناك ميليشيا مذهبية اسمها «حزب الله» تابعة لـ «الحرس الثوري» الايراني تعرقّل كلّ خطوة يمكن ان تساهم في تحقيق أي تقدّم على ايّ صعيد كان.
لا يحتاج لبنان الى دراسات جديدة ما دام الداء معروف والدواء معروف اكثر بدءا بحصر كلّ سلاح في يد الشرعية اللبنانية ممثلة بالمؤسسة العسكرية وقوى الامن والأجهزة التابعة للدولة وليس اي جهة أخرى. كلّ ما عدا ذلك إضاعة للوقت وصرف الجهود والطاقات في مكان لا حاجة الى ان تصرف فيه. فما الذي منع الى الآن تنفيذ مقررات مؤتمر باريس - 1 وباريس -2 التي تستهدف اصلاح الوضع الاقتصادي؟
لا شكّ ان وجود نية حقيقية في اجراء إصلاحات اقتصادية، استنادا الى باريس - 1 وباريس - 2، يشكلّ خطوة أولى نحو النهوض حقّاً بالاقتصاد ووقف نزيف هجرة الشباب المتعلّم الباحث عن مستقبل له خارج الأراضي اللبنانية. وجود مثل هذه النيّة واستيعاب مدى خطورة سلاح «حزب الله» غير الشرعي، هما الطريق الأقصر الى استعادة لبنان صحته وعافيته، اقلّه اقتصاديا. بعد ذلك، تصبح كلّ الدراسات موضع ترحيب، خصوصا ان الصيغة السحرية لاعادة الحياة الى لبنان اكثر من معروفة. تقوم هذه الصيغة على ترك الحكومة ذات القاعدة الواسعة تعمل بعيدا عن سطوة السلاح غير الشرعي الذي يخدم المشروع التوسعي الايراني في المنطقة ولا شيء آخر غير ذلك.


ما الذي جعل الاقتصاد اللبناني يبحث مجدداً عن هوية له في حين انّ هذه الهويّة موجودة وهي ساعدت لبنان على ان يكون دولة متقدّمة ومزدهرة في المنطقة الى ان جاء اليوم وارتكبت فيه ما يمكن اعتباره اكبر جريمة في حقّ الوطن الصغير. اسم تلك الجريمة اتّفاق القاهرة الذي وقّع في العام 1969 بعد تعرّض لبنان لضغوط عربية وفي غياب الوعي لدى كثيرين من زعمائه، خصوصا بعض الزعماء السنّة، لمعنى السماح للمنظمات الفلسطينية المسلّحة باستخدام جزء من أراضيه في شنّ هجمات على إسرائيل.
فقد لبنان سيادته في ذلك اليوم المشؤوم حين رعى جمال عبدالناصر توقيع اتفاق القاهرة بين ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من جهة والعماد اميل بستاني قائد الجيش اللبناني وقتذاك من جهة اخرى. كان بستاني يعتقد ان توقيعه اتفاق القاهرة بغطاء من عبدالناصر سيوصله الى رئاسة الجمهورية. لم يتغيّر شيء في لبنان، خصوصا لجهة استعداد بعض الموارنة لكلّ شيء وايّ شيء من اجل الوصول الى رئاسة الجمهورية.
في كلّ الأحوال، اذا كان من درس يفترض في لبنان تعلّمه من نصف القرن من التجارب التي مرّ فيها، فإنّ هذا الدرس يتمثل في ضرورة وجود رغبة حقيقية في اجراء إصلاحات وان مثل هذه الإصلاحات لا يمكن ان تجد طريقها الى التنفيذ في غياب دولة قويّة بعيدا عن أي سلاح غير شرعي استخدم مرارا في تعطيل الحياة السياسية ومنع أي عودة للبنان الى محيطه العربي.
ورث السلاح الايراني السلاح الفلسطيني في لبنان. هذا ما يفترض ان يعيه كلّ لبناني وكلّ باحث عن تطوير الاقتصاد في البلد وتوفير حياة كريمة لاهل البلد وابنائهم بدل ان يبقى هؤلاء في بحث مستمرّ عن تأشيرة الى أي مكان في العالم بحثا عن لقمة العيش.
ليبحث المستنجدون بدراسة اقتصادية من هنا او هناك عن طريقة لحل ازمة الكهرباء في بلد تتحمّل موازنته ملياري دولار سنويا عجزا بسبب الكهرباء. هناك حلول كثيرة لازمة الكهرباء التي يعاني منها البلد منذ ايّام الوصاية السورية التي كانت تصرّ دائما على ان يكون وزير الكهرباء ينتمي الى فريق معيّن موال تماما لها.
هناك فرصة امام لبنان. يُحسَن له ان يستغلّها لمصلحته. تتمثّل هذه الفرصة في رغبة المجتمع الدولي في المحافظة على الاستقرار فيه. لذلك هناك رغبة في استضافة باريس في ابريل المقبل مؤتمرا لدعم لبنان. لم يختر الفرنسيون لهذا المؤتمر اسم باريس - 4 او باريس - 5 اختاروا له اسم «سادر» (cedre)، أي «المؤتمر الاقتصادي للتنمية عن طريق الإصلاحات بمشاركة الشركات». يشير الاسم الى تركيز خاص على «الإصلاحات» التي تبدو محور المؤتمر. كلمة «الإصلاحات» هي كلمة السرّ في مؤتمر باريس الجديد. ان يقوم لبنان بالإصلاحات المطلوبة شرط لايّ تنمية ولا خيار آخر امامه.
تحتاج الإصلاحات الى نية سياسية صادقة تأخذ في الاعتبار وجود خطط للنهوض بالاقتصاد تعتمد على مؤتمرات ودراسات سابقة. كان سلاح «المقاومة» يعمل في كلّ مرّة على عرقلة أي تقدّم على الصعيد الوطني وإعادة الحياة الى لبنان. ففي 1996، على سبيل المثال، كانت الكهرباء عادت الى لبنان بفضل جهود بذلها رفيق الحريري متجاوزا وزارة الكهرباء ووزراء الكهرباء الذين كان همّهم محصورا بالعمولات التي يتقاسمونها مع شركاء لهم من المسؤولين السوريين. استغلت إسرائيل تحرشات «حزب الله» وشنت في تلك السنة عملية «عناقيد الغضب» متعمّدة ضرب معامل كهربائية من بينها معمل الجمهور. كانت 1996 بمثابة منعطف على صعيد الكهرباء وازمتها المستمرّة الى اليوم.
ليست رغبة المجتمع الدولي في المحافظة على الاستقرار في لبنان كافية. هناك حاجة في لبنان الى الاقتناع بان لا جدوى من الدراسات الاقتصادية القديمة والجديدة من دون رغبة جدّية في القيام بالإصلاحات من جهة وتوفير الأجواء اللازمة للسير في هذه الإصلاحات. لا فائدة من دراسات من دون الأجواء اللازمة، أي من دون حصر للسلاح في يد الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية. بكلام أوضح لا إصلاحات بوجود سلاح «حزب الله» الذي لا مصلحة له في قيام الدولة اللبنانية. مصلحة الحزب الذي يشارك في الحرب على الشعب السوري ويعمل لمصلحة ايران، باعتراف قيادييه، هي في بقاء لبنان «ساحة». مطلوب ان يكون لبنان ورقة إيرانية لا اكثر تستغلّ في لعبة لا علاقة له بها من قريب او بعيد. انّها لعبة اثبات ايران قدرتها على لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة. يفرض مثل هذا الدور الا يعود لبنان بلدا عربيا وان يتخلّى عن عمقه العربي وعن وجود حدود وطنية له مع سورية.
تلك هي شروط اللعبة الايرانية التي لا يمكن ان تسمح للبنان العربي بان يزدهر. فمن ينشر البؤس في بلده، وهذا ما كشفته التظاهرات الأخيرة التي شملت نحو 60 مدينة وبلدة إيرانية، لن يتوقف عند الأسباب الحقيقية لمشاكل لبنان، في مقدّمها السلاح غير الشرعي الذي كان فلسطينيا وصار إيرانيا.
هذا السلاح غير الشرعي يمكن ان يؤدي الكثير من الخدمات لاطراف مختلفة، بما في ذلك إسرائيل، لكنّه لا يمكن ان يؤدي ايّ خدمة للبنان باستثناء عرقلة ايّ تقدّم يمكن ان يحصل على ايّ صعيد كان... ان في السياسة او في الاقتصاد!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي