No Script

رأي «الراي» / قائد يحكم ليومه ... وغَدِهِ

No Image
تصغير
تكبير

أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى تسلّم صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مسند الإمارة. أيام قليلة تفصل عن مناسبة كتبت جزءاً من تاريخ الكويت بأحرف من نور. أيام قليلة تفتح نوافذها ليس على مسيرة حكم فحسب بل على نهج إنساني استثنائي يواكب قيادة أمينة حكيمة لسفينة الكويت بين حقول الألغام الإقليمية.
من حق الكويتيين أن يتحدثوا بكل شفافية وصراحة عن مختلف الظواهر السلبية التي تحيط بعمل الإدارة، من هدرٍ وفسادٍ وتجاوزٍ وتعدٍّ على المال العام وانتشار الواسطات والمحسوبيات ومعوّقات التنمية، إنما من واجبهم أيضاً الافتخار بوجود قائد اسمه صباح الأحمد حباه الله العلي العظيم ببعد النظر واتّساع الرؤية والحكمة والبصيرة.
قائد ما التقى مواطناً أو نائباً أو وزيراً إلا وطالبهم بإثارة أي تجاوز للقانون عبرالمؤسسات والأطر الصحيحة والقضاء العادل.
قائد يعتبر أن أبناء أسرة الحكم يجب أن يكونوا قدوة لغيرهم وعليهم مسؤوليات مضاعفة ولا يتردّد في تطبيق القانون عليهم وإحالة «كبارهم» إلى محكمة الوزراء للتحقيق في الشبهات والاتهامات.
قائد كلما تقدّم في العمر (أطاله الله) وخبر السلطة وخبرته كلما زاد إيمانه بوجوب منح الشباب دوراً أساسياً في مختلف المجالات، مشدداً على أنهم نصف الحاضر وكل المستقبل وقادة الغد الذين سيبحرون بسفينة الكويت إلى آفاق أفضل، ولذلك فقد وجّه سموه بأن تضم الحكومة الجديدة وجوهاً شابة تتمتع بالخبرة والديناميكية ولذلك لم تخل كلمة لسموه من الدعوة إلى فتح أبواب المشاركة للشباب.
قائد يؤمن أن الرجل المناسب في المكان المناسب بغضّ النظر عن شخصه، ولذلك وجّه بتعيين وزير للداخلية من خارج الأسرة كاسراً أنماطاً وقوالب معيّنة ومكرساً بالفعل لا بالقول نظرية أن الكويتيين واحد في الانتماء، وأن المعيار هو الكفاءة وأن الأداء مقياس المحاسبة.
وهنا، تحضرنا الديناميكية التي تعامل بها صاحب السمو مع قضية المنطقة المقسومة والاتّفاق الحدودي، فهو وظّف كل إدارات الدولة ومؤسّساتها في قنوات التفاوض مع الشقيقة الكبرى، ثم وجّه رئيس مجلس الأمة للقيام بمهمات خاصة ورئيسيّة لدعم قضية الكويت والخروج باتّفاق يحصّن سيادتها، وعندما «استسمح» الرئيس الغانم سموه بأن البعض قد يعتبر ذلك خرقًا لمبدأ فصل السلطات أعطاه سموه ردوداً مفادها أن الكويت أهمّ وخدمتها أهمّ ومنعتها أهمّ وأن الدستور نصّ وروح ولا بد من الالتزام بهذين العنصرين، وهو شدّد على فصل السلطات و«تعاونها» ومن هذا المنطلق (منطلق التعاون) يكلّفه بالمهمة... وصولاً إلى النتيجة التي توّجت باتفاق المقسومة والحدود.
قائد كرّس كل وقته لتحقيق المعادلة التالية: العمل ما أمكن على استقرار الداخل وترسيخ الوحدة الوطنية وتطوير التنمية والعمل على خلق مناخات إقليمية إيجابية تحلّ الحوار مكان الصراعات وتوجد آلية لحلّ المشاكل بالطرق السلمية. وإذا سارت رياح الظروف الإقليمية بغير ما تشتهي سفن التمنيات والجهود فإن إغلاق منافذ المخاطر على الداخل يتطلّب وعياً استثنائياً من الكويتيين لتحصين وحدتهم وهدم كل أسوار الطائفية والعنصرية وتطويق الانقسامات. لم يخل نطق سامٍ من هذه التوجّهات ولَم يخرج أي تحرّك خارجي عن نطاق التهدئة وتجنيب المنطقة نار الصّدام.
قائد يعتبر مجلس التعاون الخليجي بيتاً للجميع وجسراً للعبور إلى المستقبل، ومن تابع حفاوة سلطنة عمان، سلطاناً وإعلاماً وسياسيين، بمشاركته في عزاء الراحل قابوس يدرك حجم محبّة الخليجيين له. قائد يعتبر أن أي انفراط لعقد هذا المجلس يعني استفراد الآخرين بِنَا دولة بعد أخرى. صحيح أن مسيرة المجلس لم تكن نموذجية ولم تحقّق تطلّعات شعوبنا، لكن الأصحّ هي النظرة السريعة لوضع دولنا وشعوبنا ومقارنتها بكل دول المنطقة. ولو استطاعت القمم الخليجية تطبيق قراراتها لكنّا اليوم «نمراً اقتصادياً» يفرض نفسه على المراتب الدولية. إنّ الجهد الذي قام ويقوم به صاحب السمو لإعادة اللحمة الخليجية إلى مسارها وإبعاد شبح النزاعات والصدامات والخلافات هو جهد جبار أشاد به قادة العالم كما الأشقاء. والتمنيّات كل الأمنيات بأن تتكلّل الوساطة بالنهايات الإيجابية.
قائد لا يحكم ليومه، بل ليومه وغده، يرسي نهجاً تواصليّاً في الإدارة إيماناً منه بأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض. هاجسه يمتدّ من الخوف على بلاده إلى مطالب الناس المحقّة. عقل حاسم في دعم استقرار البلد وتطبيق القانون ومنع التجاوزات وقلب يتّسع للعفو الخاص عمن أخطأ وأساء.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مؤشرات النهايات فأجاب:«إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظرالساعة». والكويت تفتخر بأن الأمر فيها مسنود إلى أهله بكل ما في المسؤولية من حكمة وحزم وبصيرة... وإنسانيّة.

«الراي»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي