هل انتصرتْ إيران على أميركا في العراق؟

No Image
تصغير
تكبير

ينهي الرئيس الإيراني حسن روحاني اليوم زيارة إلى العراق استمرت ثلاثة أيام جال خلالها على كل الرؤساء العراقيين وكذلك المرجعية الدينية في النجف الأشرف. أما اللافت في الأمر فهو المقارنة بين زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السرية للعراق وبين زيارة الرئيس الإيراني العلنية للبلد نفسه. والأمر الثاني هو حجم التبادل التجاري - الاقتصادي بين طهران وبغداد والذي يرسل إلى الحضيض خطة ترامب بحصار إيران اقتصادياً. فهل يعترف الرئيس الأميركي بخسارته أم يخسر كل العراق في هذا الوقت المهمّ؟
في الأسبوع الأخير من العام 2018، حطت الطائرة الرئاسية مطفأة الأضواء في الجزء الأميركي من قاعدة عين الأسد العراقية في محافظة الأنبار.
وقد أحيطت الزيارة بالسرية التامة وأطلعت رئاسة الوزراء العراقية في اليوم نفسه على برنامجها. ورفض ترامب الهبوط في الجزء العراقي من القاعدة نفسها لأن بغداد تتقاسم كل قواعدها المهمّة مع الأميركيين شرط السيادة الأميركية التامة على الجزء غير العراقي. وهذا ما دَفَعَ الرؤساء العراقيين الثلاثة (رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس الجمهورية برهم صالح) الى رفض الاجتماع مع ترامب على أراضٍ غير خاضعة للسيادة العراقية.
وبالنتيجة حَضَرَ ترامب لثلاث ساعات لم يلتقِ خلالها أحدا من المسؤولين العراقيين وغادر تحت جنح الظلام وهو يردّد أن بلاده أنفقت مئات البلايين في بلدٍ يخاف المسؤولون الأميركيون على أمنهم حتى يومنا هذا.
أما الرئيس روحاني فقد أعلن عن زيارته قبل أسبوع بالتنسيق مع القيادة العراقية في بغداد التي رتّبت له برنامج زيارته والوفد السياسي والاقتصادي المرافق، وجدول الأعمال المتعلّق بها. وبقى في العراق ثلاثة أيام يجول فيها بالترتيب مع الحكومة العراقية، فيما التقي المسؤولون الإيرانيون مع نظرائهم العراقيين ليرفعوا سقف التبادل الاقتصادي - التجاري إلى 20 مليار دولار.
وهذا يعني أن:
1 - إيران انتصرت على أميركا في العراق لأن المسؤولين فيها يرفضون قرار الحظر الأميركي على طهران ويصرّون على التعاون معها في كل المجالات بما فيها الطاقة.
2 - ان اللواء قاسم سليماني استطاع تحقيق هدف إيران بإيجاد بيئة قيادية غير معادية لإيران مستعدّة لقطع العلاقات مع أميركا إذا فرضت عليها واشنطن أن تختار بين أميركا وإيران. وهذا أحد أسباب منْح السيد علي خامنئي وسام «ذو الفقار» وهو أعلى وسام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى سليماني لما حقّقه من نجاحات لبلاده. وكان أوّل المهنئين وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي قال لسليماني: «لقد جعلتَ الشرق الأوسط أكثر أمناً». علماً انه الوسام الثاني (وسام الفتح العام 1989) الذي يتلقاه سليماني من خامنئي.
3 - ان إيران ستبيع الطاقة للعراق وسيتعامل معها بالدولار وبالعملة المحلية. وقد أوجدت الجمهورية الإسلامية طريقة اقتصادية تعود بالنفع على كل الدول التي تتعامل معها على أساس العملة المحلية. وهذا من شأنه تدوير عملية الاقتصاد الإيراني وإبقاء عجلته تعمل لتتغلب جزئياً على العقوبات الأميركية القاسية. ومما لا شك فيه أن التبادل بالعملة المحلية سيتيح للعراق الاستفادة من الاقتصاد الإيراني وشراء حاجته من دون الحاجة للجوء إلى الدولار كعملة تبادُل رئيسية. وهذا بالتالي يخفض الحاجة إلى الدولار إذا تعاملت دول عدة بالعملة المحلية. وكذلك تعتزم إيران بناء سكة حديد من إيران إلى كل العراق.
وقد أدخل حكم ترامب تعديلات جوهرية عالمية، إذ اضطرت أوروبا لإيجاد بديلٍ للتحويل المالي (السويفت)، حيث تبحث دول عدة بما فيها الصين وروسيا وبلدان أخرى قوية مثل الهند وباكستان عن تبادل نفطي تجاري مع إيران لتجاوز الدولار تماشياً مع العقوبات الأميركية.
اما العراق فبدا مُنْقَسِماً على نفسه بين مُطالِب بإخراج القوات الأميركية وبين مَن يدعو إلى إخراج القوة العسكرية الفائضة وإبقاء برامج التدريب والتبادل الاستخباراتي ضد «داعش». ومن الواضح - بحسب مصادر قيادية مسؤولة - أن العراق سيُبقي على قوة أميركية تخصّصية وسيطلب إبقاء عدد قليل من القوات الأميركية على أرضه بما يُرضي الحكومة التي لا تريد ضرب العلاقة الأميركية - العراقية بالكامل بل المحافظة على علاقة جيدة من دون أن يمس ذلك العلاقة الممتازة بين بغداد وطهران.
وبالتالي لم يبْقَ أمام ترامب إلا إما قطْع العلاقات مع العراق، وهذا يضرّ بمصلحة أميركا التي تريد البقاء في العراق ولا ترغب بالخروج منه لأنها لا تعلم إلى متى ستبقى في سورية، وإما الرضوخ للأمر الواقع وغض النظر عن التعامل الاقتصادي - التجاري الإيراني مع العراق وبالتالي يكون قد وقّع على إفشال خطّته بيده، وهي الخطة التي أراد منها تركيع إيران وقلْب النظام خلال أشهر بسيطة كما تمنّى هو وإدارته.
وفي أيّ خيارٍ يختاره ترامب ستكون النتيجة واحدة: خسرت الإدارة الأميركية الحالية معركتها لمحاولة تركيع الجمهورية الإسلامية. وكل ما فعله ترامب هو التضييق على الشعب الإيراني ولكنه دَفَعَ بالمسؤولين لإيجاد خطط بديلة ليحصل سليماني على وسامه ويَخْرج العراق من أيدي ترامب.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي