No Script

نافذة... الأمل

«العبدالمغني»... ومتعة الرحلة!

No Image
تصغير
تكبير

الهدية دائماً جميلة وتدخل البهجة إلى النفس... فكيف لو كانت كُتباً تدخل مباشرة إلى النفس والعقل معاً!
وكما قال الكاتب الشهير باولو كويلو: «الهدية أن تمنح شيئا من ذاتك، أن تعطي، قبل أن يسألك أحدهم، هبةً عظيمة».
تلقيت منذ أيام هدية قيمة أسعدتني كثيراً من الأديب الكويتي الدكتور عادل العبدالمغني، مجموعة من إبداعاته المتميزة، التي جعلتني أبحر في احرفها منذ اللحظة الأولى وتصفحها بشغف، رغم أني كنت في البداية محتارة: بأي كتاب أبدأ!


هل أبدأ برواية «الكويت... وطن آخر»، أم رواية «حديث السور»، أم «دراسات في التراث الكويتي»، وغيرها من الاصدارات المتميزة.
لكن قلبي دفعني إلى أحدث اصداراته، «ذكرياتي في الإسكندرية»، فمن يستطيع أن يقاوم سحر هذه المدينة المارية وترابها الزعفراني، فالغلاف كان مختلفاً، صورة أبيض وأسود جماعية، تتميز بتلقائية لمجموعة من الطلاب وبينهم الدكتور عادل مبتسماً، وكأنه يستقبل الحياة بشغف، تعبير صادق عن روح الجماعة والأجواء الطلابية التي كان يعيشها في الإسكندرية.
 ومثلما كان الغلاف صادقاً وبسيطاً كان أيضا الإهداء، تميز بقمة التواضع والشفافية ، فكان لبوابي عمارات الإسكندرية القديمة الظرفاء، وكأنه يهدي ذكرياته لبسطاء المدينة الذين يعطون لها مذاقاً خاصاً ولطرافتهم المبهجة!
 حقا كلما كانت الأحرف صادقة مفعمة بالمشاعر تدخل الى القلب والعقل، وتجعلك تذوب في تفاصيل احداثها، وهذا ما تجلى فيه العبد المغني الذي يسحب القارئ إلى عالمه المجهول في بداية حياته الدراسية في مدينة كبيرة مثل الإسكندرية، من خلال الاحداث الإيجابية والسلبية، والعثرات والكبوات التي تعرض لها واستطاع أن يتخطاها ويكمل دراسته بنجاح في كلية الآداب، قسم «الجغرافيا»، بل وبنشاط طلابي ثقافي، إذ كان أمين سر الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، «فرع الاسكندرية» عام 1973، ورئيس لجنة الاذاعة، كما أقام أول معرض للتراث الشعبي الكويتي بالإسكندرية، وغيرها من الأنشطة والفعاليات المهمة، التي جعلت أيامه في الاسكندرية ثرية وتستحق الكتابة عنها والتوثيق بالصور والأحداث المشوقة والأماكن المتعددة، بكل ما تحتويه من تفاصيل يتميز بها أدب الرحلات، الذي أبدع فيه الكاتب العبد المغني.
كتب عن الاسكندرية متشبهاً بالرحالة، كما كتب عن رحلاته المتعددة أيضاً إلى لبنان، في كتاب «لبنان الذي في خاطري»، ليبوح بحبه المكنون في صدره لهذا البلد الجميل، الذي تفتحت فيه عيونه على الحياة، من خلال تمتعه بمفاتن طبيعته وثقافته المتنوعة، فهو زاره منذ الطفولة، واستمر يزوره الى الشباب والنضج، فارتبطت مشاعره به وحرص على زيارته دائماً لترتوي نفسه من جماله، كما يقول في مقدمة كتابه المختص بلبنان: «ليزداد الاخضرار في قلبي، وينبثق العشق في لوحة رومانسية حالمة، للاستزادة من الثقافة والمعرفة والتمتع بجمال الطبيعة».
من الأمور الممتعة أن تقرأ وكأنك ترى، وهذا ما فعله العبد الغني بكل دقة وإتقان، عندما جعل القارئ يتابع القراءة بشغف من دون أن يرمش جفنه، ليسعد بكل ما يحتويه من دهشة الاكتشاف، ومن أسلوب شيق سلس، كما يمعن في تصفح الصور التي تزين الكتاب، فتعطي بعداً توثيقياً مهما، وتجعل كل حواسك تتفاعل مع ذكرياته، فتعيش معه، بل وتشاركه كل إحساس وموقف.
هكذا يكون الأدب الرائع، ويكون أدب الرحلات ممتعاً ومفيداً ومغذياً للبصر والبصيرة. يزداد إغراء عندما يكون الكاتب أديباً يكتب بلغة رفيعة، ويسرد بحنكة المخرج السينمائي، فيتجلى النص ويزهر في المخيلة، وتكون متعة التنزه بين الأسطر أجمل وأجمل!
يعيدنا العبدالغني إلى تذكر أدب الرحلات الذي كان من الآداب الممتعة، ونشط في البداية على يد الجغرافيين والمستكشفين، الذين اهتموا بتسجيل كل ما تقع عليه عيونهم، والذي ساهم فيه أيضاً كتّاب وروائيون عظام وديبلوماسيون نقلوا إلينا طبيعة المجتمعات التي مثلوا بلادهم فيها. يعيدنا الكاتب بالذاكرة إلى من أبدع في هذا الفن الأدبي كابن بطوطة، تشارلز ديكنز، رفاعة الطهطاوي، مارك توين، أنيس منصور، غازي القصيبي، وليس عادل العبدالمغني بعيداً عن هؤلاء، وإن اختلف معه أدب الرحلات كما اختلف مع سواه من المحدثين في هذا الأدب، فأضاف مثلما أضافوا الكثير.
في الحقيقة، إن الدكتور العبدالمغني، موسوعة من العطاء في العمل الثقافي والديبلوماسي، التحق بالسلك الديبلوماسي وشغل مناصب متعددة ووصل إلى منصب وزير مفوض، وعلى مستوى النشاط الثقافي كان أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين عام 2011. وأثرى المكتبة الكويتية والعربية بالعديد من الإصدارات المهمة ، كما لديه مكتبة نادرة عن التراث الكويتي، تضم معظم المؤلفات التي صدرت عن الكويت في جميع المجالات، يقدر محتواها بأكثر من 300 كتاب، وأرشيف كامل للعملة الكويتية، وأيضا متحف تراثي كويتي. فكأنما جنّد نفسه لحفظ التراث الكويتي. فنحن أمام رجل يمتلك ثراء ثقافياً نفتخر ونعتز به، وأمام عطاء متعدد الروافد، جعله ينال العديد من الجوائز وشهادات التقدير التي يستحقها على المستويين المحلي والدولي، ويجعلنا دائماً نشعر بأن الكويت كبيرة بعطاء رجالاتها ومبدعيها ومحبيها، الذين يخلصون في الحفاظ على تراثها وتاريخها، ويمثلونها في المحافل الدولية خير تمثيل، فتكون الكويت بهم ولهم بلد العطاء بلا حدود، والإنسانية بكل فيضها.
«مثلما يعود النهر إلى البحر، هكذا يعود عطاء الإنسان إليه»...(مثل صيني).

* كاتبة كويتية
Amal.randy@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي