No Script

أصبوحة

لبنان ينتفض

تصغير
تكبير

لعلها المرة الأولى التي يخرج فيها اللبنانيون إلى الشارع، بهذا الزخم المليوني في مظاهرة سلمية عمت كل مناطق لبنان، من شماله إلى جنوبه ومن سهله إلى جبله، واللافت للنظر أن هذه الجماهير الغاضبة خرجت من عباءة طوائفها وأحزابها، متوحدة في شعاراتها ومطالبها.
فلبنان لا تحكمه دولة ونظام وطني، بل يحكم وبشكل فريد من نظام طوائف، تتقاسم الحكم والنفوذ السياسي والاقتصادي، تمثلها أحزاب طائفية لديها ميليشيات مسلحة، تصادمت في منتصف السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، في حرب أهلية طاحنة، دمرت خلالها البنية التحتية وقتل فيها الآلاف من أبناء الشعب على الهوية.
وقد تسبب حكم الطوائف في تراجع البلد، الذي كان يطلق عليه في يوم ما باريس الشرق الأوسط، وتسبب في فساد الطبقة السياسية، وتعطلت مشروعات وخدمات لبنان الأساسية، وازداد عدد العاطلين مع معاناة معيشية متفاقمة، تركت لبنان في تراجع اقتصادي غير مسبوق، وارتفعت أسعار السلع والخدمات، وفرضت ضرائب إضافية فوق هذه المعاناة والأزمات، فازداد سعر البنزين والخبز والسلع الضرورية.
في العادة كانت المظاهرات والمسيرات السلمية، تنظمها الأحزاب اليسارية في وسط بيروت، احتجاجاً على الفساد والحكم الطائفي اللا وطني، والمحاصصة في البرلمان ومجلس الوزراء، لكن هذه الانتفاضة غير مسبوقة، إذ للمرة الاولى تخرج الجماهير ضد أحزابها وطوائفها، التي اعتبرتها مشاركة في الفساد، ما سبب صدمة لهذه الطوائف والأحزاب، فقام بعضها بإنزال ميلشياته المسلحة، وقامت باطلاق النار على جماهيرها، وهدد السيد حسن نصرالله بإنزال أعوانه إلى الشارع، لمنع الجماهير الغاضبة من إسقاط عهد الرئيس ميشال عون، وهي أمور استثنائية لم تحدث من قبل، وتدل على حجم الجماهير وشدة غضبها من جميع الأحزاب والطوائف بلا استثناء.
ولبنان قد يكون من الدول العربية القليلة، التي لم يشترك شعبه في ما سمي بالربيع العربي، بسبب تقسيمته الطائفية المتناحرة، رغم توحد هذا الشعب ومعظم الأحزاب والطوائف، في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي له في ثمانينات القرن الماضي، لكن يبدو أن الأزمة الاقتصادية والمعيشية بلغت مدى لا يحتمل، بحيث مست الشعب بكل طوائفه وتقسيماته.
كما أن الثورات العربية في عام 2011، قد استهدفت أنظمة مركزية، على عكس لبنان الذي يواجه طوائف عدة تشكل دولاً داخل دولة، وأي انتفاضة يجب أن تستهدف نظام الطوائف من أجل نظام وطني بديل، كما أن هذه الطوائف لديها جيوشها وميليشياتها المسلحة، وهي خطر قد يسبب قتالاً مسلحاً، ويهدد السلم الأهلي، فإن كان يمكن السيطرة على أجهزة الجيش والشرطة الوطنية، فكيف يمكن التحكم بميليشيات تابعة للأحزاب.
نتمنى السلامة للبنان ولشعبه، ونتمنى أن يسود لبنان الأمن والازدهار، ويعود كما كان مميزاً بجماله وبشعبه المحب للحياة، فتحقيق أهداف الشعب اللبناني مرهون بوحدته ووحدة أهدافه.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي