No Script

بتقديم استدامة الدولة على ديمومة إدارتها

«الشال»: على الكويت أن تتبنى النموذج النرويجي... لا الفنزويلي

No Image
تصغير
تكبير
  •   29 في المئة من الموازنة الجديدة لا تذهب لخلق وظائف بل لإنفاق جارٍ ومشروعات لا علاقة لمعظمها بأهداف تنموية   
  • التساهل في قانون الاستدانة يضيف مصيدة القروض إلى أمراض حكومية أخرى 

أشار التقرير الأسبوعي لمركز الشال للاستشارات إلى جدل واسع وصحي دار حول مشروع موازنة 2020/‏ 2021، موضحاً أن معظم ذلك الجدل يمكن اختصاره لو كانت الإدارة العامة واعية للتعامل معه من منظور استدامة الدولة ووفق أسس علم المالية العامة وبأساسه العلمي.
وتطرق التقرير إلى مثالين متناقضين في هذا المجال، أولهما أن العجز المالي في علم المالية العامة محسوم في تعريفه، إذ إن الإيرادات التي تمول نفقاتها لابد وأن تأتي من نشاط اقتصادي مستدام، ووفقاً لهذا التعريف، فإن معظم إيرادات النفط تأتي من بيع أو استبدال أصل زائل، إما باستهلاكه أي نفاده، و إما بالتقادم العلمي أي انخفاض أهميته، والنفط يخضع لضغوط من الاتجاهين.
وبيّن أن ذلك التعريف الذي يقدم ديمومة الدولة على ديمومة إدارتها، هو ما تبنته النرويج، فالإدارة العامة هناك - حكومة ومجلساً نيابياً - لا تسمح سوى باستخدام 4 في المئة فقط من إيرادات النفط لتمويل المالية العامة، وعند الضرورة فقط، أولاً لأن بيع النفط مجرد استبدال أصل وليس إيراداً، وثانياً حتى لا تصيبها أمراض «لعنة الموارد» وتقوض تنافسية اقتصادها، كما أصابت هولندا قبلها.
وذكر الشال أن المثال الآخر النقيض الذي تبنى ديمومة الإدارة باستهلاك موارد الدولة تمثله فنزويلا، المالكة لأكبر احتياطي نفطي تقليدي في العالم وبأكثر من 300 مليار برميل، وهي الآن بحكم الدولة الفاشلة.
وأكد «الشال» أنه لو أخذت الكويت، بمبادئ علم المالية العامة لتبدل تبويب ميزانيتها، حينها يصبح المصدر الرئيسي لتمويل نفقاتها العامة هو دخل الأصل البديل للنفط، أي دخل صندوقها السيادي الذي يفترض أن تتغير وظيفته من هدف غير معلوم إلى معدل عائد يحقق أكبر قدر من التوازن المالي، وحينها لابد من ضبط النفقات بوقف هدرها وفسادها إذا كان محتماً على مجلس الوزراء أن يلتزم بنسبة تغطية عالية لها من دخل الاستثمارات المتجدد أو المستدام. بعدها لابد من نظام ضريبي على الدخول العالية والأرباح، وإن بدأ مخففاً ليمثل مصدرا ثانيا للتمويل، وأهميته تكمن في صعوبة تمرير الهدر والفساد إذا كان من حصيلة إيراد ضريبي.
وتابع التقرير: ثم يأتي توجيه الدعم لمستحقيه، أي أن الدعم قد يزيد لمصلحة من يحتاجه فعلاً، بينما لا يفترض أن يذهب الدعم لأصحاب الدخول العالية، لأنه ببساطة يصبح ضريبة سالبة وعكسية وغير مستحقة.
ولفت إلى أنه ما يعجز الإيراد عن تغطيته من نفقات الموازنة العامة يمكن تغطيته بجزء من إيرادات النفط، على أن تكون مساهمة تنخفض بمرور الزمن، ومعلنة نسب انخفاضها وملتزمة بكامل مراحلها، لأن في الوطن حشد من شابات وشباب سوف يواجهون بطالة سافرة وضخمة ما لم نضمن لها الاستدامة المالية، ولأن النفط يتعرض لضغوط ضخمة لأسباب التقادم العلمي والقلق البيئي، موضحاً أن برميله يباع بنحو نصف أسعار عام 2013 من دون احتساب أثر التضخم، ولذلك لن ينقذ مالية البلد وعمالتها سوى تخفيف مبرمج في الاعتماد عليه.
وعودة إلى تعريف كل من صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني، وخلاصتها بانتفاء تحقيق الكويت لعجز مالي، ذكر تقرير «الشال»: أن تلك خلاصات صحيحة من وجهة نظرها، وخاطئة من وجهة نظرنا ومن وجهة نظر علم المالية العامة، فهي غير معنية بما يحدث للكويت إلى أبعد من الزمن القصير، جمهورها مختلف، ويقتصر على من يرغب في التعامل مع الكويت، وليس الكويت نفسها، والعيب في إدارتنا العامة هو في عجزها عن صياغة رؤى تضمن الاستقرار الاقتصادي والمالي من أجل ديمومة الدولة.

مشروع الموازنة
وحول مشروع الموازنة 2020/‏ 2021، بين «الشال» أن وزيرة المالية قدمت عرضاً لملامح مشروع الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة 2020/‏ 2021، أهم فرضياته انخفاض الإنتاج المستهدف للنفط من 2.8 مليون برميل يومياً إلى 2.7 مليون برميل يومياً أي بنحو 3.6 في المئة، متزامناً مع ارتفاع تكاليف إنتاجه بنحو 8.8 في المئة أو من نحو 3.42 مليار دينار إلى نحو 3.72 مليار، وذلك يعني أنه بافتراض سعرالبرميل النفط الكويتي بحدود 55 دولاراً، ستبلغ تكاليف إنتاجه نحو 20 في المئة من قيمة النفط المصدر، والمرجح استمرار ارتفاعها واستمرار الضغوط إلى الأدنى على حجم الإنتاج وعلى الأسعار.
ونوه «الشال» إلى أن تلك الضغوط على جانب الإيرادات تقابلها ضغوط وانعدام مرونة النفقات العامة، فالرقم المقدر للإنفاق البالغ 22.5 مليار دينار ظل ثابتاً رغم كل الوعود بخفض النفقات، و71 في المئة ضمنه رواتب وأجور ودعوم، وما يتبقى وهو بحدود 29 في المئة يمثل الحد الأدنى المطلوب في ظروف الكويت الاقتصادية ليذهب كله للتكوين الرأسمالي الحقيقي، وتحديداً من أجل خلق فرص عمل جديدة لنحو 450 ألف مواطن قادمين إلى سوق العمل حتى 2035، يوزع ما بين المستلزمات الأخرى ضمن الإنفاق الجاري ولمشروعات إنشائية لا علاقة لمعظمها بأي أهداف تنموية.
وبيّن أن الواقع هو«أن ما تبقى لا يكفي للارتقاء بخدمات ضرورية مهمة مثل التعليم والصحة والسكن، ولا يكفي لصيانة المشروعات الضخمة والرديئة التي تم بناؤها مثل مستشفيات معطلة لافتقارها إلى أجهزة بشرية ومادية، ولا البنى التحتية الأخرى مثل الطرق والجسور غير المرتبط إنشائها بخلق الوظائف أو أي من الأهداف المعلنة للتنمية».
وذكر التقرير أنه بينما البديل الذي يتطلبه مشروع الاستدامة المالية هو في تنويع وزيادة مصادر الإيرادات، يقدر مشروع الموازنة المقبل انخفاض الإيرادات غير النفطية بنحو 3.8 في المئة، متزامناً مع الحجم الكبير وغير المستدام للنفقات العامة التي تنحدر في فاعليتها ومرونتها، مضيفاً «الأرقام في تقديرنا ليست مهمة، فالعجز الافتراضي قد يرتفع أو ينخفض وفقاً لمعدل سعر النفط الفعلي، ووفقاً لصرف أعلى أو أقل من المقدر عند صدور الحساب الختامي، المهم هو استمرار نفس النهج الخطر وغير المستدام. وخلافاً لكل المعلن عن نوايا الإصلاح الاقتصادي والمالي وإصلاح ميزان العمالة، تعمل كل من السياسة الاقتصادية والسياسة المالية على مزيد من تقويض استدامة كل ما تقدم، فالخلل الإنتاجي يتأصل بهيمنة قطاع النفط، والخلل المالي يتأصل بهيمنة إيرادات النفط، والاثنان عاجزان عن الاستدامة بما يهدد ميزان العمالة بولوج الكويت مرحلة غير محتملة من البطالة السافرة». وتابع «الشال»: «الأخطر، هي تلك الدعوة إلى التساهل مع الحكومة من أجل إصدار قانون الاستدانة حتى يضاف إلى كل ما تقدم من أمراض، مرض مصيدة القروض، ويبدو أن الحكومة الجديدة تسير على نهج الحكومات السابقة، وعود إصلاح ومسار معاكس على أرض الواقع، ولا يفترض أن تبدأ حكومة جديدة عملها برصيد أداء سالب، فالمسؤولية بقدر السلطة، وهي المهيمنة على مصالح البلد، وهي من يتحمل مسؤولية ذلك الضياع».

مقترحات «الشال»:

1 - يصبح الصندوق السيادي المصدر
الرئيسي لتمويل النفقات العامة
2 - ضبط النفقات ووقف الهدر والفساد
3 - نظام ضريبي على الدخول
العالية والأرباح
4 - توجيه الدعم إلى مستحقيه
5 - ما يعجز الإيراد عن تغطيته
من النفقات يغطى بجزء
من إيرادات النفط

لا علاقة بين التصنيف السيادي والاستقرار المالي أو الاقتصادي

حول تقرير وكالة ستاندرد آند بورز الأسبوع الفائت في شأن التصنيف السيادي للكويت، شدد «الشال» على أن التصنيف الائتماني لا علاقة له بالاستقرار المالي أو الاقتصادي للكويت على المدى المتوسط إلى الطويل، مشيراً إلى أن التصنيف جيد لأنه يخفض تكلفة التمويل عند حاجة الدولة أو مؤسساتها الخاصة للاقتراض من السوق العالمي، ولكنه غير معني بمحاكمة سلامة استخدام الأموال المقترضة على المستوى السيادي، وإنما فقط بتأكيد قدرة المقرضين على استرداد ما أقرضوه بسبب توافر الاحتياطيات المالية لدى الدولة.
وتابع التقرير: وفقاً للوكالة، يهيمن النفط على نحو 90 في المئة من حصيلة الصادرات والإيرادات العامة، وذلك هو وضعه منذ ستينات القرن الفائت رغم أن كل خطط التنمية منذ ذلك الحين تبنت تنويع مصادر الدخل هدفاً رئيسياً لها، وذلك يعني أن الوكالة تعرف أنه اقتصاد غير مستدام، وقراءة تقريرها لا تعطي أي انطباع باستدامة الوضع المالي للبلد، فالمدى الزمني للتقرير لا يغطي عنصر الاستدامة، وجمهور التقرير لا يعنيه سوى استرداد أمواله في حدود مدى زمني قصير.
ولم تُخفِ الوكالة تشاؤمها حول نمو الاقتصاد الكويتي، فهي تقدر له نمواً ضعيفاً لعام 2019 وبحدود 0.5 في المئة فقط، وتقدر استمرار ذلك النمو الضعيف في عام 2020 ليبقى بحدود 0.5 في المئة أيضاً خلافاً لتوقعات البنك الدولي. وعلى الجانب المالي تقدر معدلاً لإنتاج النفط أدنى من ذلك المقدر في مشروع موازنة 2020/‏2021 وبحدود 2.65 مليون برميل يومياً، أي أدنى بنحو 50 ألف برميل يومياً من تقديرات مشروع الموازنة، وتقدر سعراً للنفط بحدود 60 دولاراً للبرميل ثم ينخفض إلى 55 دولاراً، أي مساوياً لتقدير مشروع الموازنة المقبلة.
وختم «الشال»: لا بد من إعادة ما ذكرناه مراراً من أن تقرير الوكالة صحيح، فهو يخاطب جمهوراً له اهتمام مختلف تماماً عن اهتمام القارئ المحلي، وما لم نقرأه محلياً بما يتوافق مع أهدافنا ومتطلبات الاقتصاد المحلي، سنظل نخطئ تقدير خلاصاته.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي