سورية هي المحكّ لدونالد ترامب

تصغير
تكبير

ليس طبيعياً أن تتصرّف الولايات المتحدة بالطريقة التي تتصرّف بها في سورية، خصوصاً بعدما وعد دونالد ترامب، قبل انتخابه رئيساً وبعد ذلك، بأن يكون مختلفاً عن باراك أوباما. ما تقوم به الإدارة الحالية هو نسخة طبق الأصل عمّا قامت به باراك أوباما بحجة حماية الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني. الفارق مع إدارة أوباما، ان إدارة ترامب تعتمد دور المتفرّج بعد تموضع عسكري في «سورية المفيدة»، وهي الضفّة الشرقية للفرات.
في شمال شرقي سورية، حيث الاميركيون وقواعدهم العسكرية، معظم ثروات البلد من نفط وغاز وزراعة ومياه. يبرّرون وجودهم هناك بضرورة المحافظة على تلك المنطقة وحمايتها كي لا يعود «داعش» إليها.
تحدثت إدارة ترامب بدورها عن «خطوط حمر» لا يمكن ان تقبل بها. خرق النظام وحليفاه الايراني والروسي كلّ الخطوط الحمر، بما في ذلك نص القرار الأخير الرقم 2401 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة وروحه. لا تزال القنابل تتساقط على الغوطة الشرقية بهدف تهجير أهلها. هناك استخدام للسلاح الكيماوي من دون أي ردّ فعل أميركي. ما يفعله النظام، بدعم إيراني وروسي واضحين، يصبّ في اتجاه واحد. هذا الاتجاه هو تهجير أهل الغوطة الشرقية من منطلق مذهبي تمهيداً لإحلال آخرين مكانهم. الهدف النهائي دمشق وتدجينها وتغيير طبيعة المدينة وتركيبتها السكّانية.


الى متى تستطيع الولايات المتحدة البقاء في موقع المتفرّج؟ ذلك هو السؤال الذي يطرح نفسه، خصوصا بعدما تبيّن ان التناقضات القائمة بين ايران وروسيا في سورية لا تعني بأي شكلّ أنّ في استطاعة الروسي الضغط على الايراني. هناك واقع لم يعد الروسي قادراً على الهرب منه. يتمثّل هذا الواقع في انّ لا قدرة لديه على ارسال قوات الى سورية. ليس أمام الروسي سوى الاتكال على ايران التي يظهر أن في استطاعتها ارسال عدد كبير من الخبراء المنتمين الى «الحرس الثوري» الى سورية، إضافة الى عشرات الآلاف من المنتمين الى ميليشيات مذهبية مثل ميليشيا «حزب الله» اللبنانية او تلك التي يتألّف منها «الحشد الشعبي» في العراق.
في المقابل، لا يمكن للجانب الروسي الذهاب الى أبعد من استخدام سلاح الجوّ. وهذا يجعله تحت رحمة ايران. حاول الروس تشكيل قوات خاصة بهم تضمّ مرتزقة وذلك تحت ستار ان شركات نفطية روسية تقف وراء تجميع هؤلاء تحت عنوان إقامة شركات امنية خاصة. كانت النتيجة إبادة هذه القوات الروسية وغير الروسية بواسطة طائرات هليكوبتر أميركية عندما تقدّم المرتزقة من أحد حقول النفط في منطقة دير الزور قبل بضعة اسابيع.
وجدت روسيا نفسها في نهاية المطاف أمام مستحيلين في سورية. المستحيل الأول هو العجز عن ممارسة أي ضغط على ايران. المستحيل الآخر العجز عن إعادة الحياة الى النظام السوري وما بقي لديه من جيش ومؤسسات أمنية اخترقتها ايران من كلّ الاتجاهات.
أخطر ما في الامر ان ايران تبني قواعد دائمة لها في سورية. تستعد لاستخدام الورقة السورية الى أبعد حدود، بما في ذلك افتعال حرب اقليمية، لتأكيد انهّا دولة متوسطية من جهة وأنّها حريصة على الجسر السوري الذي يربطها بدويلة «حزب الله» في لبنان من جهة أخرى. لم يستطع فلاديمير بوتين تنفيذ التفاهمات القائمة مع إسرائيل التي باتت تعرف انّه ليس في استطاعتها اشعال المنطقة بحجة أنّها لا يمكن أن تقبل وجود مصانع صواريخ في الأراضي السورية أو اللبنانية، حسب تسريبات في الاعلام الإسرائيلي.
إذا كانت روسيا وجدت نفسها امام مستحيلين سوريين، فإنّ إسرائيل التي تتبجح بانها تمتلك قوة نارية كبيرة، وجدت نفسها أيضاً أمام مستحيل من نوع آخر.
إنّه غياب القدرة الإسرائيلية على التأثير في القرار الروسي عندما يتعلّق الامر بالوجود الايراني في سورية. ليس لدى إسرائيل سوى الاعتماد على الولايات المتحدة لا اكثر ولا اقلّ في المواجهة مع ايران. لا تستطيع، الى اشعار آخر، ان تفعل شيئاً من دون الغطاء الاميركي... وحتّى المشاركة الاميركية في أيّ عملية عسكرية ذات نطاق واسع تؤدي الى إضعاف إيران فعلاً.
منذ دخول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، تحدّث الرئيس الاميركي وكبار معاونيه عن أن هدفهم هو كبح المشروع التوسّعي الايراني. في كلّ يوم يمرّ يربط الاميركيون بين إيران و«الارهاب». في كلّ يوم يمرّ يتأكد أن هذا ليس ممكناً ما دامت الميليشيات الايرانية تسرح وتمرح في سورية.
يبقى الكلام الاميركي عن ايران مجرّد كلام على الرغم من بداية إدراك للدور الروسي السلبي في سورية. وهذا ما عبّر عنه قائد القيادة المركزية الاميركية الجنرال جورج فوتيل خلال جلسة للجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب الاميركي. قال فوتيل: «من الناحيتين العسكرية والديبلوماسية، تلعب موسكو دور مشعل الحريق ورجل الإطفاء في آن»،مضيفا: «انّها تثير التوتر بين كل الأطراف في سورية، ثم تلعب دور الحكم في حل النزاعات في محاولة لتقويض المواقف التفاوضية لكل طرف واضعافها».
إنّها لعبة كلاسيكية، سبق أن لعبها النظام السوري في لبنان إبان الحرب الاهلية في سبعينات القرن الماضي وبعد وضع يده على كلّ البلد في خريف العام 1990 عندما دخل قصر بعبدا ووزارة الدفاع في اليرزة. وقتذاك، استطاع النظام السوري بفضل لعبة مشعل النار والاطفائي في الوقت ذاته ممارسة وصاية كاملة على لبنان حتّى العام 2005...
إلى متى ستبقى اميركا في موقع المتفرّج العاجز عن وضع حدّ للعدوانية الايرانية؟ سيطرح هذا السؤال نفسه بإلحاح أكثر في الايّام والاسابيع المقبلة، لا لشيء سوى لأنّ كلّ الأحداث تشير الى ان الروسي لا يمتلك حلا في سورية. ليس لديه أيّ حل من أي نوع لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى الدور الايراني المكمل للدور الروسي والدور الروسي المكمل للدور الايراني. أمّا إسرائيل التي تدّعي انّها صارت مهددة، فإنّها لا تستطيع تغيير الوضع القائم من دون الولايات المتحدة.
المؤسف في ظل هذه الاوضاع المحبطة ان الشعب السوري هو من يدفع الثمن. ليس ما يجري في الغوطة سوى نموذج لمنتهى السادية في التعاطي مع مصير مئات آلاف السوريين الذين تحوّلوا الى ضحايا لعبة في أساسها العجز الروسي عن لملمة الوضع السوري والحسابات الايرانية القائمة على ان روسيا تحت رحمة الميليشيات المذهبية التي تُسيّر من طهران.
وحده الأميركي قادر على كسر هذه الحلقة المقفلة. ليس مطلوباً أن يفعل ذلك في خدمة إسرائيل التي استطاعت تحقيق قسم لا بأس به من طموحاتها بفضل الإصرار الايراني على تفتيت سورية من منطلق مذهبي. ما يبدو مطلوباً أكثر من أي وقت إقناع أميركا لروسيا بأنّ اتكال ايران عليها واتكالها في المقابل على ايران هو الطريق الأقصر لحروب لا أمل بأي نهاية لها في المدى المنظور. مرّة أخرى، هل يستطيع ترامب أن يكون مختلفاً عن أوباما؟ المحكّ سيكون في سورية وليس في أيّ مكان آخر في حال كان ما يقوله عن الدور الايراني في المنطقة والعالم صحيحاً أم لا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي